التخبط السياسي الذي ينتهجه رئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» منذ توليه عام 2005 يؤكد أمرين اثنين: إما أنه مصاب بشيزوفرينيا حادة يتقمص دور شخصيتين متناقضتين في آن واحد، شخصية تتجه إلى التفرد وحصر السلطات الأساسية بيده، وشخصية تدعو إلى الشراكة السياسية والاجماع الوطني وتطبيق الدستور. وإما أنه ينفذ أجندة خارجية «إيرانية على وجه التحديد» ويعمل من أجل تحقيق أهدافها في المنطقة. *** فمثلا سياسته المتناقضة حيال «سورية» والتحول المفاجئ (180 درجة) من عدو لدود ومناهض لسياستها العدوانية ودائم الشكوى والتبرم من نظامها القمعي ولا يتوانى عن تقديم ملفات إلى المحافل الدولية تثبت تورطها في التفجيرات التي شهدتها المدن العراقية منذ 2003 إلى صديق صدوق وحليف يعتمد عليه، وهو ما تصبو إليه إيران وكذلك تحوله المفاجئ من شريك استراتيجي قديم للأكراد إلى عدو شرس يخوض معهم صراعاً مريراً. *** ولم يختلف الأمر مع زعيم التيار الصدري كثيراً فقد خاض ضد أنصاره حرباً ضروسا سماها «صولة الفرسان» بعد أن كان على وفاق سياسي وطائفي تام معه، «يقال إنه هو من نصحه بمغادرة العراق عندما شعر بأن الأمريكان يريدون اعتقاله وفق مذكرة اعتقال صادرة من المحاكم العراقية بتهمة قتل ابن المرجع الشيعي الأعلى عبدالمجيد الخوئي عام 2003».. *** ونتج عن هذه الازدواجية في الشخصية، إرباك خطير في مساره السياسي وتجسد هذا الإرباك بشكل خاص في تنصله المستمر والدائم من المواثيق والعهود المبرمة مع الشركاء السياسيين، لا توجد كتلة سياسية ولا شخصية عراقية دخلت معه في صفقة سياسية دون أن تخرج منها خالية الوفاض، صفر اليدين بسبب رجوعه السريع عن وعوده التي قطعها لها. *** فهو متمرس في هذا المجال وأستاذ في ممارسة «التقية السياسية» ضد خصومه، وحتى مع أصدقائه المقربين ورفاقه في الحزب، تعوّد أن يظهر شيئاً ويضمر شيئاً آخر، يبدي لهم ولاءه المطلق في العلن ويتآمر عليهم في الخفاء ويدبر لهم المكائد، كما فعل مع رئيسه المباشر»إبراهيم الجعفري»، في موقف غادر جرده من كل المناصب الحزبية وطرده شر طردة ولكن بذكاء وخبث دون أن يثير حفيظة أحد، واستولى فيما بعد على الحزب وأصبح رئيسا له مكانه. وقد يذكرنا هذا الموقف بموقف آخر مشابه له قام به رئيس النظام السابق «صدام حسين» عندما كان نائباً لرئيس الجمهورية، ضد ولي نعمته ورئيسه في الحزب والدولة «أحمد حسن بكر» في عملية انقلابية «بيضاء» أجبره على التنحي عن الحكم لصالحه.. *** وإذا ما سردنا مواقف «المالكي» السياسية الغادرة فهي لا تعد ولا تحصى. من هذه المواقف أنه وعد «مجالس الإسناد العشائري» المسلحة التي تصدت لتنظيم القاعدة ودخلت معه في سلسلة من المعارك الطاحنة واستطاعت من خلالها طرد هذا التنظيم الإرهابي من العراق، بالعطايا المجزية والمناصب العالية. ولكنه عندما تم له ما أراد وتخلص من تنظيم القاعدة أخلف وعده لها وغدر بها. *** وكذلك وعد العراقية «بمجلس السياسات العليا» وتعهد بإعطاء استحقاقها السياسي في الوزارات الأمنية ووقع على ذلك اتفاقية غليظة «اتفاقية أربيل» التي بموجبها أصبح رئيسا للوزراء» ولكنه سرعان ما تراجع عنها بعد أن حقق أهدافه وبسط سلطته على مؤسسات الدولة، وراح يطعن في شرعيتها الدستورية ويتنكر لها ويطارد قادتها بحجة الإرهاب! *** ومن أكثر من تضرروا بالاتفاقيات الوهمية للمالكي «الأكراد»، فقد تلقوا عشرات الوعود السخية والتواقيع «على البياض» لمعالجة قضاياهم التاريخية وعلى رأسها المادة 140 الدستورية لحل قضية الأراضي المتنازع عليها ومسألة النفط والغاز وغيرها لكنهم لم يقبضوا منه غير الهواء والكلام المنمق الخادع. ولم يكن يبخل أبداً في توزيع وعوده الفارغة على القادة والجماهير الكردية في زياراته المتكررة إلى أقليم كردستان، بل كان يوزعها بسخاء كما يوزع الحلوى والسكاكر على الأطفال، ويمنيهم بمستقبل زاهر في ظل الديمقراطية «المالكية» ولكنه مستقبل وهم لا يرجى منه الخير. *** وإذا كان رد فعل القادة المعارضين للسياسة الميكافيلية الخطيرة التي يمارسها رئيس الوزراء جاء متأخرا، فإنهم أدركوا أن السماح بنشر هذا الأنموذج السياسي السيئ في العراق يعد جريمة بحق الوطن والتجربة الديمقراطية الجديدة ويجب إزالته بأي طريقة ومهما كان الثمن. *** فهم مصممون على حل المشكلة الكبيرة التي يعانيها العراق التي تتمثل في السيد المالكي بحسب تعبير رئيس الوزراء التركي «أردوغان» بحل جذري من خلال استجوابه في البرلمان ومن ثم سحب الثقة منه. *** ولا يحيدون عن هذا الخيار الاستراتيجي مهما كانت المغريات التي يقدمها المالكي لهم من أجل التنازل عنه، وماضون إلى أخر المشوار، لانهم يعدون الإطاحة به عملاً وطنياً يجب القيام به..