شاهدت مقتطفات من اللقاء الذي أجرته باربرا والترز مع الرئيس بشار الأسد على قناة (abc). ورأيت طريقته في الإجابة على أسئلة مثل: في الماضي كان العالم ينظر لك على أنك رئيس براغماتي جديد وطبيب تنعقد حياته على شفاء الناس، واليوم ينظر لك العالم على أنك ديكتاتور وطاغية، كيف ترد على هذا؟ على مدى تسعة أشهر رأينا صوراً بشعة لقتل أطفال وضرب شنيع للناس، لماذا؟ ماذا عن البيان المستقل للأمم المتحدة عن الأحداث في سوريا والذي جاء فيه أن حكومتك ارتكبت جرائم ضد الإنسانية تشمل اغتصاب المتظاهرين ومنهم الأطفال؟. بطبيعة الحال كان جواب بشار الأسد هو النفي الكامل الشامل لكل تلك الجرائم، بل وأنكر علمه بما جاء في تقرير الأممالمتحدة، وكأن الرئيس بشار الأسد يعيش في عالم آخر غير العالم الذي نعيش فيه. حقيقة، مثل هذا التجاهل لا يستغرب على الحزب الذي ينتمي إليه بشار فمنذ عرفناهم وهم يتجاهلون الحقائق المشاهدة على الأرض ويتحدثون عن عالم طوباوي ملائكي لا يمكن رؤيته بالعين المجردة. لكن ما لفت انتباه العالم كله ممن شاهدوا ذلك اللقاء هو جوابه على السؤال: ألا تعتقد أن قواتك كانت شديدة القسوة والوحشية في ردها على المتظاهرين؟ حين قال: «إنها ليست قواتي، إنها قوات (عسكرية) تابعة للحكومة، أنا فقط الرئيس». وعند ذكر قصة الرسام الكاريكاتوري.. الذي كان ينتقد بشار في رسوماته فكسرت يداه وضرب ضرباً شديدا والمغني الذي قطعت رقبته لأنه أنشد يطالب برحيل بشار، أجاب مستنكراً: هناك كثيرون ينتقدونني، هل (قتلوهم) أيضاً؟ وعندما قالت باربرا والترز: إنك أنت من أعطى الأمر، أجاب بقوله: لا، لا يوجد أمر بالقتل على الإطلاق!. لقد عزل نفسه عن جرائم الجيش وقوات الأمن. أما السؤال الأخير فلا يقل إثارة للعجب عن كل ما سبقه، فقد كانت والترز ذكية ومحترفة عندما ختمت اللقاء بسؤال سيكولوجي على طريقة المحققين حين قالت: هل تعشر أنك مذنب؟ فقال براحة بال إنه لا يشعر بالذنب إلاّ من يقتل!. هذا الحوار دعا مقدمة البرنامج إلى القول في برنامج تلفزيوني آخر في نفس القناة إن بشار الأسد Dictator by accident ديكتاتور بالصدفة والحظ، فليس هذا مكانه وإنما هو واقع فرضته عليه وفاة أخيه الأكبر باسل ووالده واللذان كانا هما الطغاة الفعليين. أنا أيضاً أصدقه، وأعتقد أن الهدوء الذي تعيشه دمشق والوضع الطبيعي فيها – ظاهرياً – بحكم كثافة الجهاز الاستخباراتي فيها وقوة بطشه، قد جعله يصدق ما يكتبه له الجهاز الأمني عن وضع البلد. بعد هذا اللقاء خرجت الخارجية السورية ببيان توضيحي لكلام الرئيس لتبين للمشاهد أن الرئيس لم يتخل عن حكومته، وأنه لم يقصد أن يقول إن قوات الجيش ليست قواته، والحقيقة أن تصريح وزارة الخارجية زاد الطينة بلة، إذ من حقنا أن نسأل لِمَ لم يعقد بشار مؤتمراً صحفياً ويوعز لأحدهم أن يسأله عن ذلك اللقاء فيوضح بنفسه ما قصد، خصوصاً وأن الشك وصل لحد الشعور العام أن بشار الأسد يعيش عزلة حقيقية بين (العسكر) وسط حكومته لدرجة التبري من قوات الجيش وممارساتها التي يراها العالم إجرامية، وقد رضي لراحة ضميره – كإنسان وطبيب – أن يقول إن هذا ليس من اختصاصه، إذ ما هو إلا رئيس للجمهورية، لم يعط أمراً واحداً بالقتل. إنه يعيش فعلا بين جدران سجن، ولا يملك التصور الحقيقي لما يحدث على الأرض، لذا يكتفي برمي مسؤولية احتمال الخطأ على حاشية (عسكرية) تقاسمه صلاحياته ورئاسته. بالنسبة لنا، الصورة واضحة، إذ يجب على المشاهد أن يأخذ دورات مكثفة في الحمق المستفحل لكي يقتنع أن قتل الأطفال وإهانة كرامة الناس وركل بطونهم بالبسطار العسكري وترديد عبارة «بدك حرية؟ هذه هي الحرية!» هو من أجل سوريا. أما بشار فيبدو أنه فعلا لا يعلم، والطريف في الأمر هو قوله في ذاك اللقاء أنه لولا التأييد والدعم الشعبي العام لما أصبح رئيسا وأنه لن يبقى في الرئاسة إذا ذهب ذلك التأييد. لا أدري هنا ماذا يجب على الشعب السوري أن يفعله لكي يقنعه أنه فعلا يريده أن يرحل!. دعونا ننتظر ونتابع.