بالرغم من تعدد وسائل المواصلات، وتغير أساليب الحروب وآلياتها، تبقى الخيل حاضرة بشموخ في ثقافات كثير من الأمم. «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة». وقد أتيحت معلومات تاريخية ووثائق مهمة تتصل برحلة الخيل عبر الجغرافيا والتاريخ، من خلال المعرض المقام حاليا في المتحف البريطاني في لندن (The horse from Arabia to Royal Ascot). تم افتتاح المعرض في الرابع والعشرين من مايو الماضي، وسيستمر حتى نهاية شهر سبتمبر القادم. وقد قام المتحف بتنظيمه، بالتعاون مع مجلس أمناء صندوق الفروسية، ومؤسسة ليان للثقافة في المملكة، ومزرعة جودمونت. يحكي المعرض بداية علاقة الخيل بالإنسان بشكل مباشر، حين نجح في استئناسها، ويشير المعرض عبر مطبوعاته أن هذا التاريخ يعود إلى خمسة آلاف سنة. أما مكان الاستئناس، فيرجعه بعض المؤرخين جغرافيا إلى المنطقة الآسيوية، وتحديدا ما يعرف الآن بكازاخستان. وتشير مصادر أخرى إلى أن استئناس الخيل قد يعود إلى تسعة آلاف سنة. وقد نجحت الهيئة العامة للسياحة والآثار مؤخرا في اكتشاف آثار مهمة جنوب المملكة عن تاريخ الخيل في الجزيرة العربية. وربما تغير هذه الاكتشافات الرؤية التاريخية حول أسبقية بعض الأماكن في استئناس الخيل. وارتباط الإنسان بالخيل ارتباط نفعي حميمي، فالخيل تقترب من الإنسان وتتجاوب معه، وكثيرا ما تحدث علاقة نفسية بين الخيل وصاحبها. والخيل العربية واحدة من أجود أنواع الخيول في العالم، وقد خلدها الشعراء العرب في قصائدهم من خلال هذا الارتباط النفسي معها وتغنوا بها. ولعل معلقة العرب الأولى التي صاغها امرؤ القيس هي الأشهر في تاريخ الخيل والشعر العربي. أخذ وصف الفرس عند امرئ القيس جزءا كبيرا من معلقته عبر رحلة الصيد التي كان يقوم بها ممتطيا صهوة جواده «وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل». ولعل كتاب «الحصان العربي: الأصل والتطور والتاريخ»، الذي أصدرته هذا العام باللغتين العربية والإنجليزية مؤسسة ليان للثقافة، تزامنا مع المعرض يعد أحدث وأشمل مرجع عن تاريخ هذا المخلوق الأنيس. نجح معرض الخيل في المتحف البريطاني في تقديم كثير من المعلومات الموثقة عن تاريخ الخيل في الجزيرة العربية والعالم الإسلامي. وقد تم ذلك عبر وسائل متعددة، فمن النقوش إلى النصوص، إلى الأفلام، إلى بعض الأعمال الفنية التي استلهمها الفنانون من الخيل. كان من المتوقع أن يكون المعرض موجها للمختصين والمهتمين بعالم الخيل والفروسية، وقد لا يكونون كثرا، لكن الأعداد الكبيرة والتزاحم اليومي الذي عاشه المعرض خلال الفترة الماضية يؤكد أن عالم الفروسية يستهوي كثيرين من شعوب العالم. وتحديد زمن المعرض خلال فترة الصيف منح كثيرين من زوار المتحف البريطاني فرصة ثمينة للاطلاع على محتوياته. قبل أسابيع، انقضى معرض الحج الذي نظمه المتحف البريطاني بالتعاون مع مكتبة الملك عبد العزيز العامة، وحقق نجاحا كبيرا. وحاليا يقام هذا المعرض بالتعاون مع جهات سعودية، ولعل مزيداً من هذه المعارض المتميزة ذات الأبعاد الثقافية الواسعة، يقدم صورة أكثر إشراقا عن الوطن.