تعلم أنني غبتُ زمناً بحثاً عن طريق، وترقباً لمصير، واسترشاداً بنافذة ضوء فلم أجد إلا تيهاً يلحقه آخر، وارتباكاً يترادف، وحيرة تزداد. قلت وقد غلفتني الحيرة: أرشدني، يا شيخي أُلْبِستَ رداء العافية وحظيت بمتع الدنيا شاملة؟، فلقد حيرتني فأنر دربي. تبسم شيخي، بما يشبه الحزن، وقال، بنبرة تفوح منها روائح اليأس: هو البحث الذي لا يجدي، والطريق الذي لا ينتهي، والأفق الذي لا يجتمل سوى السراب. يا بني، تعرف تفاؤلي واندفاعي لولا أن الزمن خذلني، وستر نظري بسواد حجابه حتى لم أعد أعرف إن كانت حركتي درباً مستقيماً أم دوراناً في ساقية. يا بني، لاشيء يغسل خيباتك، ويطرد همومك، ويبعد عنك تهاويل الجن إلا عشق تستكين إليه، وحب يرمم ثغراتك ويسكن جروحك لأن الدنيا صراع مرير وخصومات شتى وعذابات متوالية. يا بني، يمضي المرء كثيراً، ويبحث في سبل النجاح طويلاً، ويتصدر لأماكن يظنها مرسى سفينته وهامة مجده بينما منارة نجاته تكمن في صدر محب يركن إليه، وصمت يمتص أحزانه، وقلب يعالج أوجاعه. اعلم، يا بني أن الفرق بين العظماء والمجرمين هو الحب؛ يفتقده الآخرون فيسكنهم العنف، ويحظى به الأولون فينالون المجد فلا درب يفترق عن امرأة إلا كان شذوذاً ومرضاً وعذاباً فأشدد على حبك تنجو، وتمسك به تسعد لأن الدنيا، تتضاءل وتصغر حتى لا تتجاوز محبة ذلك القلب، ولن يسعدك إلا بهجة النظر في تينك العينين، ولن يجلب لك المتعة إلا القرب والصلة إلى أن تغمرك ثقة تشعرك أنك سيد العالم وأكثر الناس حظاً. يا بني، غادرتني أم ميسون فأصبحت ساكن قبو مظلم كلما نهضت تعثرت، وكلما سرت زاد تيهي. قلت: يا شيخي، أعادها الله برضا، وطوى صفحة الجفا. أمدد يدك أرشدك فإن حبي لم ينقطع نوره ولم أفقد بوصلته.