هناك جانبان يتشاركان في إحداث الصدمة، وإثارة الأسئلة: الأول موضوع الحادثة، وهو يد الرجل الغليظ التي أمسكت بذيل القطة وعلَّقتها على الجدار، ثم يده الأخرى التي أهوت عليها بالفأس: ضربة مؤلمة غير حاسمة فاقمت مواء القطة وزادت من تلوِّيها، وضربة أخرى أجهزت على ذيلها فسقطت بفجيعتها وألمها، وفرَّت إلى حياة مشوَّهة وفقدان دائم لذيلها. والثاني تصوير الحادثة الذي وضع الرجل وفعله العنيف، أمام السمع والبصر، مضيفاً إليه سياقه المحلي من لباس الرجل ولهجة حديثه، وسياقه السببي الذي يرتِّب قطع ذيل القطة على كسرها مروحة السيارة! ثم بث التسجيل في اليوتيوب وغيره من المواقع. موضوع الحادثة وهو المشهد الذي تنقله الصورة، يضعنا أمام “حكومة” هذا الرجل الغليظ الذي اختصر مؤسساتها التشريعية والقضائية والتنفيذية والإعلامية في شخصه! فهنا التشريع لعقوبة معينة، والقبض على الجاني، والإدانة له، وإعلان الحكم عليه، ثم تنفيذه وتصوير ذلك للتوثيق والإشهار. والرجل الغليظ هنا هو من يشرِّع قائلاً –فيما نرى من الفيلم- “من يكسر مروحة الشاص نكسر ذنَبه”، وهو في الوقت نفسه من يقبض على المتَّهَم وهي هنا القطة، ومن يدينه، ويحكم عليه ويعلن الحكم وينفذه، وهو من يأمر الطفل الذي يصوره في بداية المشهد بالتصوير “صوِّر صوِّر”. لماذا التصوير؟! ولماذا النشر؟! ألم يكن مجزياً للرجل أن يعاقب القطة بقطع ذيلها دون إعلان؟! ما الفرق بين أن يقطع ذيلها سراً وأن يقطعه علناً؟! وأن يكون عقوبة على جناية اقترفتها أو شهوة مجردة لإيقاع الألم بها وتشويهها؟! ما الحد بين عنف الإنسان على الحيوانات وعنفه على الناس؟! لم يخطر ببال الرجل الغليظ أنه يعرِّض نفسه لعقوبة محدَّدة، فلا نص في السياق المحلي ولا أمثلة أحكام على عقوبات جنائية تجاه التعنيف للحيوانات وإيذائها، على الرغم من التأثيم الشديد والوعيد بدخول النار الوارد في النصوص الدينية: “دخلت النار امرأة في قطة حبستها”. وقد تأكد أمان الرجل الغليظ من التجريم والعقوبة بما نقلته “الحياة” (13 يونيو 2012) تعليقاً على الحادثة عن رئيس لجنة الشؤون الإسلامية في مجلس الشورى فهو “يستبعد وضع السعودية عقوبات بحق معنفي الحيوانات كما يجري في دول العالم”! والعلة لديه “صعوبة متابعة الحيوانات ورصد معنِّفيها”! من الواضح أن علة هذه الحادثة ترجع إلى الكاميرا والنشر عبر الشبكة. بلا مُشَاهِد افتراضي انطوى عليه تصويرها لم يكن للحادثة أن تقع هكذا. تفاصيل الحادثة مصنوعة للمشاهَدة، ليست تعبيراً مباشراً عن الغضب على القطة، إنها تخليق “سادي” لمشهد يحمل محاكاة دنكشوتية للبطولة والعدالة حين تهيمن عليهما شهوة التسلط وتستبد بهما القوة. لكن المشهد هنا بواقعية تطابق المؤلف والمخرج والشخصية في الرجل الغليظ مثلما توحِّد فيه التشريع والحكم والتنفيذ فيغدو مثالاً للاستبداد والتسلط أمام الضعف والضآلة اللذين تمثلهما: القطة المعنَّفة، والطفل الذي استخدمه الرجل لحمل وسيلته الإعلامية “الكاميرا” وإشهار جبروته. ولذلك فهي جريمة تجاوز العدوان على قطة إلى إسقاطات استبطانية تشوِّه مجتمعاً بكامله.