ذمار – عصام السفياني قيادي في حزب الإصلاح: لا نستبعد الصراع مع الحوثيين إذا استمرت استفزازاتهم قيادي في المؤتمر الشعبي: اللواء الأحمر يحاول تقزيم الحوثية.. والحركة ترد بتطرُّف عبدالواحد الشرفي: الطرفان لا يقبلان الآخر ويتخذان المذهب غطاءً لتحركاتهما تعيش محافظة ذمار اليمنية على مشارف صراعٍ مرتقب بين الإخوان المسلمين والحوثيين لرغبة كل طرفٍ في تقليص نشاط الآخر فيها. ولم تحظ محافظة يمنية بما فيها أكبر محافظات اليمن سكاناً ومساحة بحضورٍ على المشهد السياسي وفي مفاصل الدولة اليمنية كالذي حَظِيت به ذمار طوال ثلاثة عقود مضت هي فترة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وذمار، التي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي مائة كيلومتر، تعد من أكثر محافظات اليمن التي ينتشر فيها السلاح تفشياً لظاهرة الثأر، وهي من محافظات الشمال ذات التكوين القبلي الضارب في التعقيد والانتماء لقيم القبيلة العتيقة في اليمن. وتقع ذمار إلى جنوب العاصمة صنعاء، ويشكل سكان المحافظة ما نسبته 6.8% من إجمالي سكان اليمن، وتضم ذمار 12 مديرية. ويستحوذ أبناء المحافظة على غالبية المناصب القيادية في المؤسسات الأمنية والعسكرية والتنفيذية، فمنها خرج رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس جهاز الاستخبارات، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية ووزير الداخلية السابق، ووكيلا الوزارة، وقائد قوات الأمن المركزي، وقادة أجهزة الأمن في غالبية محافظات اليمن إضافة إلى مدير مكتب رئيسي الجمهورية السابق والحالي، ونائب رئيس هيئة الأركان، ومساعد قائد الحرس الجمهوري، وقادة غالبية ألوية الحرس الجمهوري وصولا إلى أمين عام حزب الإصلاح “الإخوان المسلمين”. وساهمت ذمار في تماسك نظام الرئيس السابق علي صالح وعمل معه أبناء هذه المحافظة الموجودون في أجهزة الأمن والجيش والحكومة على عدم السماح بسقوط نظام حزبه المؤتمر الشعبي العام. ثقة صالح في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان لمحافظة ذمار نصيبٌ وافر من ثقته، ولما قامت الثورة كان أبناء هذه المحافظة هم الجدار الذي اتكأ عليه في مواجهته لرياح الاحتجاجات العاصفة التي عمَّت مختلف محافظات اليمن، إذ صمدت كل المؤسسات التي أدارها أبناء ذمار ولم تشهد أية انشقاقات أو تصدعات كما حصل مع مؤسسات مماثلة كان على رأسها قادة من قرية صالح نفسها وحتى من أسرته والمقربين منه. وإلى جانب القيادات الأمنية والعسكرية كان لشيوخ القبائل في محافظة ذمار دور كبير في الوقوف إلى جانب صالح حيث لم يتردد شيوخ قبائل الحدأ وأنس وعنس، وهي أكبر قبائل المحافظة، أن يقاتلوا بالسلاح مع صالح وفي وسط العاصمة ضد قبيلة حاشد التي يتزعمها أولاد الشيخ عبدالله الأحمر، وأظهر المسلحون من أبناء ذمار استبسالا في القتال إلى جانب صالح فاق وحدات أمنية وعسكرية كبيرة كانت في ميدان المعركة في الأحياء الشمالية من العاصمة صنعاء. وطوال عمر الثورة الشعبية ضد نظام صالح التي امتدت لأكثر من عام لم تشهد المحافظة حادثة قتل واحدة لمتظاهر على يد نظام صالح، رغم كثافة السلاح الموجود في أيدي أتباع الرئيس السابق من أبناء القبائل إضافةً إلى ما يملكه قادة الجيش والأمن من قوات كانت كافية لسحق أي مظاهر ثورية في المحافظة، في حين كانت محافظة تشع بالمدنية كتعز تشهد مجازر يومية ووصل عدد شهداء الثورة فيها إلى أكثر من مائتين والجرحى بآلالاف. وتقول أحد رموز الثورة اليمنية بشرى المقطري “مازلت أذكر مشهد وصولنا إلى ذمار، والقبائل تحيينا، لم أكن عايشت القبائل أبداً، دائماً ترعبني ملامحهم وصوت الرصاص، كانوا يحتفلون بنا على طريقتهم البسيطة، كان عرساً من أعراسهم البدائية، لكني كنت مفتونة بهذه الطقوس القبلية بالترحاب، مفتونة بهذه الطريقة البسيطة في التعبير عن امتنانهم لنا، كنت ممتنة لهم”. بدوره، يؤكد الصحفي عبدالكريم النهاري وهو من أبناء المحافظة أن قادة أحزاب المشترك في محافظة ذمار تحلُّوا طوال الثورة بنضجٍ كبير أمام تعامل السلطة المحلية في المحافظة كطرفٍ مسؤول عن حماية الجميع دون أن تقف في وجه الثوار كما حدث في عددٍ من محافظات اليمن، ولفت النهاري إلى أن شيوخ القبائل في ذمار غلَّبوا قيم القبيلة الحميدة على أهواء السياسة ومناكفاتها. وقال النهاري إن قادة الأحزاب كانوا على تواصلٍ دائم مع المحافظ ومدير الأمن لمواجهة أي مشكلات قد تعترض التظاهرات التي ينظمها الثوار لذا لم تُسجَّل أية مصادمات تُذكَر لا مع الأمن ولا مع أنصار النظام. استقرار أمني في الوقت الذي شهدت فيه كل محافظات اليمن انفلاتا أمنيا كبيرا وتفشي حمل السلاح وقطع الطرقات فيها، بقيت ذمار حالة استثنائية رغم أنها من المحافظات اليمنية التي ينتشر فيها السلاح بصورة كبيرة. من جانبها، شرعت أجهزة الأمن خلال الأسابيع الماضية في تنفيذ حملة لمنع انتشار وحيازة السلاح في المدينة وهو ما لقي استجابة غير متوقعة من قِبَل أبناء المحافظة. وقال مسؤول في إدارة أمن محافظة ذمار إن الحملة تحقق نجاحاً كبيراً بتعاون كل القوى السياسية وشيوخ القبائل وبتنفيذ قوات النجدة والأمن العام والشرطة العسكرية والأمن المركزي ووحدات من الجيش يتم الاستعانة بها في النقاط . وأضاف ل “الشرق” أن نسبة الانفلات الأمني في محافظة ذمار هي الأقل بين كل محافظات اليمن حيث لا تتجاوز 10% مقابل انضباط أمني وصل إلى 90%، مشيرا إلى أن من يتابع الأحداث الأمنية في شرق البلاد وغربها وجنوبها وشمالها يتخيل أن ذمار دولة مستقلة وليست تابعة لليمن كونها تعيش وضعا استثنائيا بكل المقاييس. وقال المسؤول الأمني إن المحافظة بكل قياداتها في الجيش والأمن والحكومة والأحزاب شهدت حالة انسجام وتحمل للمسؤولية وحرص على الاستقرار وعدم الدخول في مربع الصراعات السياسية التي مازالت تنخر جسد الوطن منذ أكثر من عام. الخريطة السياسية مازال حزب المؤتمر الشعبي العام هو الأقوى من حيث الحضور على الساحة السياسية في ذمار حتى بعد رحيل صالح عن الرئاسة يليه الإخوان المسلمون “حزب الإصلاح”. وفي المرتبة الثالثة يأتي الحوثيون كحركة بدأت تنشط بقوة في المحافظة بعد انطلاق الثورة وانتهاء الملاحقات الأمنية التي كانوا يتعرضون لها من قِبَل أجهزة الأمن التابعة لنظام صالح. ويقول قيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح “الإخوان” إن الحوثيين كثفوا من نشاطهم واستقطابهم للأنصار في محافظة ذمار مستغلين انتماء غالبية أبناء المحافظة للمذهب الزيدي. وأضاف ل “الشرق” أن قيادات عسكرية وأمنية ومشائخ يتبعون حزب صالح يعملون على رفع نسبة وجود الحوثيين في ذمار وبأموال من صالح وذلك لمواجهة الإصلاح الذي تزعم الثورة على نظام صالح، لافتا إلى أن كوادر من المؤتمر انضمت إلى الحوثيين، حسب قوله. وذكر القيادي الإخواني أن الحوثيين يعملون على نشر كتبهم وأفكارهم بشكلٍ علني دون أي قيود في ذمار، ولم يستبعد وقوع صراع معهم في حال استمرت استفزازاتهم، حسب وصفه. من جانبه، يؤكد رئيس فرع حزب الحق في محافظتي ذمار والبيضاء، عبدالواحد الشرفي، أن هناك حركة استقطاب نشطة يقوم بها الحوثيون والإخوان المسلمون في ذمار لأن الطرفين يملكان المال مما يسهل عليهما الحركة وترويج الأفكار. ويعد الشرفي أن الحوثيين والإخوان لا يقبلان بالآخر ولا توجد بينهما مساحة للتلاقي والحوار ويتخذان من الغطاء المذهبي شعارا لتحركاتهما. ويقول الشرفي إن الحوثيين منذ العام الماضي، ومع انطلاق الثورة، وجدوا متنفسا لتحركاتهم ونشاطهم بينما كانوا في السابق ملاحقين أمنيا ويعملون في نطاق ضيق بينما الآن هم قوة ثالثة في المحافظة ويسعون لتحقيق توازن مع الإخوان المسلمين. ويشير رئيس حزب الحق المقرب من الحوثيين إلى أن الإخوان ينشطون بشكل سري ويعملون بتنسيق دقيق بينما يميل الحوثيون إلى استعراض القوة في المحافظة وهو ما ظهر في احتجاجاتهم على صالح. وبيَّن الشرفي أن وجود الحوثيين في ذمار تَبع وجودهم في صنعاء وصعدة وحجة والجوف وعمران، وأكمل، “هم يوسعون نشاطهم في مناطق يجدون فيها بيئة حاضنة لأفكارهم خصوصا أن كثيراً من المواطنين يراهم قوة مناهضة للإخوان”. بدوره، يرى قيادي في المؤتمر الشعبي العام ل “الشرق” أن الإخوان والحوثيين يسيران في طريق تقود ذمار إلى حافة الصراع الموجود في عددٍ من المحافظات نظراً لسعي اللواء علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح إلى تقزيم دور الحوثيين في كل مكان الأمر الذي يقابلونه بتطرف. ويضيف أن الطرفين يحشدان الأنصار ويجمعان السلاح “لذا قد نشهد جولات من الاقتتال بين الطرفين كما هو حاصل في محافظات صعدة وحجة والجوف وعمران”، حسب قوله. وثيقة الحفاظ على الاستقرار والأمن في ذمار (الشرق)