لم تكن السباحة في البحر لغرض الترفيه أو للرياضة معروفة لدى أجدادنا، مثلما كانت السباحة في العيون أو في الجداول التي تتكون بعد موسم غزير المطر. وربما يعود ذلك إلى المخاطر التي تحدق بالسابحين من مفاجآت البحر، ولملوحة ماء البحر الذي يصعب إزالة آثاره دون ماء عذب. فلم تكن هناك شطآن معروفة يذهب إليها حتى سكان السواحل لممارسة السباحة واقتصرت زياراتهم لها على ممارسة صيد السمك (الحداق). ولكن الاكتشاف غير البترولي الذي عثر عليه أوائل العاملين في أرامكو وغير طباع بعض من الناس، كان شاطئ نصف القمر (هاف مون بيه) ليكون الشاطئ الذي يقضون فيه عطلاتهم الأسبوعية، يمارسون فيه العوم والغوص، والاستمتاع بسواحله البديعة الجمال. لسنيين عدة لم تكن الناس تتداول اسم هذا الشاطئ إلا بالاسم الإنجليزي الذي أطلقه عليه الأمريكان تيمّناً بشواطئهم في موطنهم البعيد، ولكنه يتميز عنها برماله الصحراوية التي فرشت لها على ساحله بساطا ذهبيا ناعما يمتد مسافات يختلط فيهما البحر بالرمل فلا تدري أأنت تسبح في البحر أم تسير على رمال الصحراء؟، وبأمواجه الهادئة التي مهما علت وقذفت بك، فلن تعيدك إلاّ إلى ذاك القاع الضحل الناعم. لقد جذب هذا الاكتشاف كل العاملين في أرامكو بمن فيهم السعوديون الذين وجدوا في السباحة في هذه البقعة من بحرهم والاستمتاع بسواحله متعة كبيرة لا تتوفر لهم في شواطئ مدنهم. كانت سواحل هذا الشاطئ مفتوحة دون حدود، لم تقسمهُ حواجز، أو ُتقطع أوصاله شواطئ السباحة المسورة والشاليهات والقصور والمنتجعات الخاصة التي شيدت على ضفافه البكر، لتنتهك عذريته وتحرم السابحين والمصطافين من تلك السواحل الممتدة بين طرفي نصف القمر. لقد بذلت الأمانة في السنوات الأخيرة مجهودا جيدا في توفير بعض الخدمات التي يحتاجها المصطافون، وتم ربط المنطقة بشوارع واسعة ومضيئة وكل ذلك لا يمكن إلا الثناء عليه، ولكن مع الأسف رافق هذا التحسين تقلص في المساحات المشاعة التي كانت متاحة للجميع والتي تحولت معظمها إلى أراض خاصة لا يستفيد منها إلا أصحابها وهم قلة. كان «هاف مون» ملجأ للشباب والعوائل دون استثناء يقضون فيه أمتع الأمسيات الصيفية بأريحية وحرية ودون إزعاج من أحد، ولكنه الآن ومع تزايد المصطافين والمخيمين فيه من مدن مختلفة من بقاع المملكة، بدأت المساحات المفتوحة الباقية تضيق وتأفل مما حرم كثيرين من متعة السباحة أو التخييم التي كانت متاحة لهم قبل سنين مضت. وهذا ما يستوجب أن يكون هناك إعادة نظر في السياسة السابقة التي قلصت من طول الساحل عبر المنح الكبيرة أو عبر تأجير لمساحات كبيرة من الأراضي لأغراض تجارية بحتة وأن يجري البحث عن أفكار جديدة لزيادة الأراضي المفتوحة للجميع، وألا تكون مساعي التطوير على حساب فطرية المكان وطول الساحل الفريد من نوعه.