الحوكمة (corporate governance) مفهوم جديد في عالم الأعمال يعني تبني منظومة قانونية وتشريعية وتنظيمية وهيكلية وتطبيق مجموعة من النظم والإجراءات التي تحكم العلاقات في المؤسسات والشركات تتحقق فيها أعلى درجات الموضوعية والمساءلة والنزاهة، وتراعى فيه العلاقات بين المصالح المختلفة والأهداف وضمان الإدارة الفاعلة للشركات. وهي أداة فاعلة وحديثة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وزيادة الثقة وتساعد الشركات على الثبات في السوق وتحسن صورتها الذهنية وتطور عملية صنع القرار فيها وتكسبها مصداقية أكثر عند عملائها.وقد نشأت الحوكمة في ظل ظروف اقتصادية وأزمات مالية عالمية خانقة سببها تعمد بعض الشركات إخفاء معلومات مالية باستخدام أساليب محاسبية مبتكرة، وحصول الشركات على مبالغ هائلة من الديون قصيرة الأجل وإخفائها عن المساهمين، مما أدى إلى سلسلة من الانهيارات المالية بدأت بانهيار النمور الآسيوية عام 1997 ثم انهيار عدد من الشركات الأمريكية في أوائل هذا القرن مثل شركة «انرون». كل ذلك أدى إلى تبني الكونجرس الأمريكي قانون ساربانيس أوكسلي (Sarbanes-Oxley) الذي هدف إلى إعادة الثقة في الشركات الأمريكية. وبالفعل فقد أثبتت هذه الإجراءات الحوكمية جدواها في استعادة الثقة ونمو شركات الأعمال.وأشير في هذه المقالة إلى أهمية أن تهتم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتعزيز مفاهيم حوكمة شركات الأعمال في المملكة وتعزيز ثقافتها وتبني برامجها وإجراءاتها (خاصة مع ما يؤكده دائماً معالي رئيس الهيئة من أن القطاع الخاص يقع ضمن اختصاصات الهيئة)، والتعاون مع مراكز البحث والجامعات وتأهيل متخصصين أكاديميين في هذا المجال الحيوي، وإنشاء كراسٍ بحثية تساعد في إنضاج هذا المفهوم وتطبيقاته على النطاق المحلي، وتنظيم الدورات والمؤتمرات وورش العمل عن الحوكمة، وتعاون الهيئة مع الصحافة والإعلام والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لترسيخ مبادئ وإجراءات الحوكمة في كل القطاعات، ومواكبة ما يستجد في نظم وتجارب الحوكمة خاصة أنه ما زال يشهد تغييرات مستمرة نظراً لحداثة نشأته.