المرة الوحيدة التي التقيت فيها بالأمير نايف بن عبدالعزيز – رحمه الله – كانت في 1418 عندما كانت والدتي تعاني من مرض فيروس الكبد الوبائي، فاقترح علي الصديق عبدالعزيز بن فهد المعمر أن ألتقي بالأمير وأن أصف حالتها له لكي يأمر بتوفير العلاج لها في أحد المستشفيات الحكومية. فحدث أن التقيت به – رحمه الله – وسلمت عليه وسألني عن مرادي وعن جهة عملي، فأخبرته بالحالة ذلك الحين ورغبتي أن يكون لوالدتي ملف في مستشفى قوى الأمن فقال لي: «إن شاء الله». ثم وقع على الطلب بالموافقة. هذا معروف شخصي للأمير نايف لن أنساه له ما حييت. وهو يضاف لأعمال الخير والبر التي لا تحصى لهذا الرجل العظيم. شغل الأمير نايف بن عبدالعزيز منصب وزير الداخلية منذ 11 أكتوبر 1975 وهذا معناه أنه كان المسؤول عن حفظ أمن البلد منذ ذلك التاريخ. والإنسان عندما ينعم بنعمة الأمن فإنه – بسبب الطبيعة البشرية – لا يستشعر هذه النعمة كما يجب. الأمن نعمة ولذلك نجد في القرآن الكريم (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون) سورة القصص (57) وفي مصابيح النبوة قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «من أصبح (وفي رواية: من بات) آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا». ونحن إذ ننظر للعالم من حولنا ونرى الخوف والقتل والدماء التي تسيل رخيصة في الشوارع لا بد أن نستشعر هذه النعمة. نعمة الأمن والصحة والاطمئنان على الأهل والولد، من أعظم النعم التي يجب على الإنسان أن يشكر – الله أولاً- عليها، ثم يشكر كل رجال الأمن الذين يسهرون على تحقيق هذه المصلحة التي تعتبر أهم الحاجات الخمس التي يحتاجها الإنسان، والأمير نايف – رحمه الله – قد قام بحفظ أمن المملكة على خير وجه، فلم نشعر بما يشعر به الناس في البلدان التي تعيش فلتاناً أمنياً، فتسرق البيوت وتغتصب النساء وتقتل الأنفس على أيدي المجرمين ولا يجد المواطن في تلك الجهات من يرد عليه ما أخذ منه. الأمير نايف – رحمه الله – كان اليد الحديدية التي تخيف كل من يسعى للعبث في وطننا. لا يوجد إنسان لا يخطئ وليس في كل البشر ملاك واحد، لكننا نشهد أنه – رحمه الله – قد أدى عمله في حفظ أمن المملكة واستقرار وضعها الداخلي، على خير وجه. شاهدت برنامجاً على اليوتيوب للسفيه التافه سعد الفقيه يعترض على قدر الله ويفضح جهله بأبسط أمور العقيدة الإسلامية ويتمنى أمنيات هي أكبر بمفازات من شخصيته المهزوزة وجبنه الصارخ، وفوق هذا خرج على الناس في أول أيام وفاة الأمير نايف – رحمه الله – وهو يفتي وينكر علينا أعضاء تويتر من مشايخ وكتّاب ومثقفين أن كتبنا كليمات من قلوبنا نعزّي أنفسنا ونترحّم على الأمير، وكان من جملة ما قال: «إن كنت ولا بد ستترحم عليه، فترحم عليه في نفسك ولا تكتبها في تويتر»! هل هناك قمع وإجرام أبشع وأقذر من هذا القمع ؟! هل هذه أخلاق المسلمين؟! هل هذا من شهامة العرب في شيء؟! العالم كله يتحدث عن اجتماع البشر اليوم على حق الإنسان في التعبير وهذا المسكين يريد أن يمنع الناس من الترحم على مسلم في يوم وفاته؟! لقد عرفت الآن لماذا تغير الناس في الآونة الأخيرة، ولماذا ساءت الأخلاق لهذا الحد، ولماذا أصبحت تسمع البذاءات على أبسط الخلافات، ولماذا ترى الفحش والكذب الفاجر على الخصم، إنه التحقق الواقعي لما جاء من حديث الصحابي الجليل عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِأَنْ يَنْتَزِعَهُ انْتِزَاعًا لَكِنْ يَقْبِضُهُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا «. هؤلاء هم الرؤساء الجهال الذين نسأل الله صادقين أن يكفي أبناءنا وناشئتنا كلهم شره وشر وسوسته وإفساده. رحم الله ميتنا نايف بن عبدالعزيز وغفر له.