له عينا صقر تلمعان شجاعة ودهاء.. له هيبة المحاربين القدامى وحزم فارسٍ معتق وأصيل.. وله كل هذا الحضور الضخم والراسخ عميقاً في ذاكرة البلد والأمة.. ومثل هذه الشخصية إن رحلت فهي خسارة كبيرة للمكان والزمان معاً، فقد ظل 37 عاماً، أيْ منذ تسلمه حقيبة وزارة الداخلية، وهي غير أي حقيبة، بحساسيتها وثقلها وتعقيداتها المتشابكة وخطورة ملفاتها، ظل الأمير نايف -رحمه الله- كل تلك السنين وحتى وفاته يوم أمس الأول، رأس النجاح ومنبع الاستقرار والطمأنينة وترمومتر الأمن والبقاء للوطن، شعباً ودولة، مواطنين وقادة، أفراداً ومؤسسات.. هذا الرجل وكتيبته المحترمة كان يواصل الليل بالنهار سهراً وعملاً متفانياً كي ينام البلد والناس بعيون قريرة وقلوب مطمئنة وأرواح تملؤها السكينة.. فتاريخه وحاضره ناصع بالإنجازات والمفاخر عبر 37 عاماً في وزارة الداخلية التي استطاعت بقيادته أن تفرض شخصيتها وتحفظ أمن البلاد والعباد. وأتذكر أنني كتبتُ في مناسبة الإنجازات المتلاحقة التي حققها بدحر الإرهاب وهزيمة القاعدة وكل الأنظمة المتشددة الشريرة العنيفة، فقد كنت أتمنى لو أنادي على كل المواطنين وغير المواطنين في بلدي، حريماً ورجالاً، بناتٍ وأولاداً، نساء وأطفالاً، صغاراً وكباراً، الذين في الرياض والذين في مكة، ومن هم في الدمام ومن هم في جدة، في حائل وجازان، في أبها ورفحاء وحتى أطراف الحدود القصية شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، أناديهم كلهم وأقول لهم تعالوا جميعاً وبكامل أناقتنا وقيافتنا وهندامنا وعطرنا ننطلق في مسيرة واحدة باتجاه طريق الملك فهد «حي المعذر» حيث مقر وزارة الداخلية، نمشي الهوينى حتى نصل إلى حيث يجلس رجل الأمن الأول الأمير نايف بن عبدالعزيز نسلّم عليه ونطبعُ قُبلة شكر على جبينه الصارم في وجه الضلال والباطل. لم يكن رجل الأمن الأول ينتظر شكراً من أحد ولا يختال بمديح من هنا أو هناك، لأنه كان يواصل الليل بالنهار كي ننام نحن. هو لا ينام كي يحرس نومنا وينقذ أحلامنا من أي «كابوس» حاقد ويطهّر دروبنا من كل شوكة حاسدة، لنصل إلى غدنا سالمين. لقد اختار الأمير نايف -رحمه الله- أن تكون حمايتنا هي نومه الجميل؛ حيث كان يعمل بلا كلل ولا ملل ولا انقطاع، ولا يتوقف، للحظة، عن البناء وتشييد جدارنا الأمني بما جعله مستعصياً على الهدم على الرغم من محاولات الباغين وترصُّد المجرمين الكارهين لهذا البلد. كل يوم كان هناك إنجاز وكل يوم هناك طوبة ترفع شامخة في وجه أعتى الرياح الظالمة، وصلبة ضد الكسر أو الخدش. لقد جعلنا الأمير نايف نفتخر بأمننا ونعلنها بثقة أن جدارنا الأمني ليس قصيراً كما يتوهم الجبناء، وكان يعي أن جدار أمننا يجب أن يكون عالياً مثل مآذننا، أو قل يستمد منها ارتفاعه الشاهق، جدارنا الأمني عالٍ بكلمة الله، وصافٍ بالنور الذي يسيل من كلمات الأذان.ولهذا كان الأستاذ مشعل السديري صادقاً وهو يدلي بشهادته حول وزارة الداخلية عندما استضفْتُه في أحد اللقاءات الصحفية قبل سنوات «إن دولة بهذه المساحة الشاسعة، وبها ما لا يقل عن سبعة ملايين أجنبي من أكثر من مائة جنسية، وفي ظروف تنموية بالغة التعقيد والتسارع.. إن هذا يتطلب جهداً مضنياً غير مسبوق.. ومع ذلك استطاعت أجهزة الداخلية بكل ما لديها من وسائل متاحة أن تفرض هيبتها، وأن تمسك بكل الحبال بيديها، حقاً إنها لمهمة شاقة.. غير أننا لم نُخلق للمهمات السهلة فقط».. فعلاً لم يُخلق الأمير نايف إلا للمهمات الصعبة.