تعلقت بالدراما المصرية وأثرت وعيي وذاكرتي.. وكان يبهرني منظر (وحش الشاشة) فريد شوقي – رحمه الله – وهو يتزعم الحارة كعمدة يعتمر العمامة المذهبة وتسعى الحارة بأكملها لنيل رضاه، الجزار والبقال والقهوجي وغيرهم، لكنه مع عوامل القوة يضعف أمام طرف كحيل وقد ممشوق يعبر الحارة على مرأى منه.. وعلى الفور يرسل صبيانه للتقصي والسؤال – وصبيانه عملة نادرة – يستشير المقربين ثم ينتهي المشهد ب (سي السيد) طالبا القرب ومعه مقدمة المهر يحمله صبيانه (كم كيلو لحمة)!. يومها تنامت قيمة اللحم عندي! في مشهدنا المحلي لم يكن اللحم مادة حوار وترمومتراً لقياس الوضع الاقتصادي كما هو الحال في مصر.. الجميع كان يأكل اللحم حد التخمة وربما سمعنا أن الأجداد كانوا لا يأكلون اللحم إلا في الأعياد غير آبهين لتلك الرواية! منذ سنوات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة قفزت أسعار اللحوم الحمراء إلى الضعف تماما متجاوزة كل معدلات التضخم التي طالت المواد الغذائية والسلع.. ومن السذاجة تعليق السبب على غلاء الأعلاف أو زيادة الطلب لأن اللحوم المستوردة ترعى سائمة من رزق الله ومع ذلك طالها الغلاء.. كذلك تتكاثر مصادر اللحوم بأسرع مما يتكاثر به البشر.. بقي أن نقول إن المكر البشري في صناعة الأزمات وأكل أموال الناس هو اللحم الحقيقي الذي يملكه آحاد الناس.. ولعل من آحاد الناس الجهات التي تستورد اللحوم لأن بيدها ضخ كميات ونوعيات جوده ترضي المستهلكين وتخفف على جيوبهم. (لحم بلدي) صار خطا أحمر يمتنع الجزارون عن بيعه بالكيلو.. اشتر الذبيحة كاملة وإلا فلا! وعلى غرار اللهجة المصرية سنردد: لحمة يادنيا لحمة!