يعاني كثير من المتقاعدين، من الفراغ الذي خلفته أعمالهم السابقة، التي كانت تملأ عليهم حياتهم وتشغل أوقاتهم، إلى جانب إحساسهم بالوحشة، وتجرعهم مرارة الإهمال، وكأنهم غرباء في مجتمعهم، بحسب تعبيرهم، لا سيما من كانوا يعملون في القطاعات العسكرية، والذين يعد سن تقاعدهم القانوني أصغر من العاملين في القطاع المدني. وذكر متقاعدون ل«الشرق» أن السنين التي قضوها في العمل جعلتهم يعتادون على برنامج روتيني لحياتهم، بينما يفتقدون ذلك الروتين بعد التقاعد، ولا يجدون اهتماماً من المجتمع والقطاعات الخاصة، كاستقطابهم للعمل أو الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم في الحياة، بل يواجهون إهمالا وتهميشا من المجتمع، حتى أصبح التأقلم والاندماج في روتين الحياة صعباً عليهم، ما ترك آثارا نفسية سيئة عليهم، حسب قولهم. وأفاد المتقاعد من الدفاع الجوي سرحان العمر، أنه يواجه بعد تقاعده فراغا كبيرا جداً في حياته أتعبه نفسياً، خصوصا أنه اعتاد على روتين عمله سنوات طويلة من عمره، وأضاف «المجتمع لم يحتوينا أبدا بعد تقاعدنا، بل أصبح أغلب الناس ينظرون إلينا باعتبارنا منتهي الصلاحية ولا نفيد بشيء، ما سبب لنا شعورا بالغربة والوحشة من المجتمع». وأضاف المتقاعد من الحرس الوطني مقبل السليمان «أصبح المتقاعد لا وجود له في المجتمع، ولا يحظى بأية مزية أو خدمات أو اهتمام، سواء من المجتمع أو من الدولة، كالاستفادة من خبرته في مجالات أخرى، أو وضع مميزات له في حياته التقاعدية تمنحه الفخر والاعتزاز بخدمته لوطنه، بل إنه بمجرد تقاعده يصبح شيئا من الماضي، ويطويه النسيان والتجاهل، وكأنه لم يفنِ عمره وزهرة شبابه في خدمة الوطن والمجتمع، ما يجعله يصاب بالإحباط وكأنه عاد إلى نقطة الصفر». من جهته، أوضح الاختصاصي النفسي في مجمع سلامات الطبي الدكتور عادل الجندي، أن الحالة النفسية للإنسان تتأثر إيجابا بالعمل والإنجاز، حتى لو كان فيه إجهاد بدني، إلا أن عوائده الإيجابية كبيرة على الحالة النفسية للإنسان، وهذا ما يفسر أن الذي يعمل يكون مندمجاً بعمله وحياته ولا يشعر بالفراغ أو التهميش أو عدم الجدوى في حياته، لتفكيره وانشغاله بأمور الحياة المختلفة، بينما يجرّ الفراغ بالنسبة للمتقاعدين إلى التفكير في كل الأمور السلبية إلى جانب الشعور بالتهميش أو الإهمال، ما يولد الإحباط أو اليأس، وهذا هو عدو نفسية الإنسان، لما له من سلبيات كثيرة عليها، فيجب على الإنسان أن يشغل نفسه بالعمل في أي شيء مفيد بعد تقاعده وألا يتركها ضحية للفراغ والتفكير، وهذا تماما ما يعاني منه العاطلون عن العمل كذلك.