أخيراً.. أقنع العلماء “أصحاب القرار” في أمريكا، بأن دعم ميزانية (الولاياتالمتحدة) لا يمكن أن يقوم على إضعاف ميزانية (دول الخليج)، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. وهو ما سبق وطالب به مايكل ماندلبوم، أستاذ السياسة الخارجية الأمريكية في كلية جونز هوبكنز، في كتابه “القوة العظمى المقتصدة: قيادة أمريكا العالمية في عصر الضائقة المالية” عام 2010. أثبتت الأبحاث العلمية المتقدمة في مجال الطاقة (المتجددة) أنه حتى لو تمكنت الولاياتالمتحدة من خفض استهلاكها للنفط بنسبة تصل إلى %17 وهو المطلوب على وجه السرعة لتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة فسوف تظل مضطرة إلى الاعتماد على نفط الخليج، وبالتالي على (أمن الطاقة) في منطقة الشرق الأوسط، وهذا لا يتطلب اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية الأمريكية وحدها، وإنما قبل كل شيء – التعاون والتنسيق التام مع دول الخليج، (وليس إنهاكها اقتصادياً). ستيفن هايوارد، الأستاذ في معهد أمريكان إنتربرايز لأبحاث السياسة العامة في واشنطن، الذي اشتهر بتأليف (كتب السير الذاتية) لكل من رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، والرئيسين الأمريكيين جيمي كارتر ورونالد ريجان، صدر له حديثاً كتاب مهم بعنوان “الطاقة وتغير المناخ: أهم التحديات في العقد الثاني من الألفية الثالثة”، جاء فيه “الطاقة هي المورد الرئيسي اليوم؛ لأنها تعتبر أساسية لكل شيء آخر في الاقتصاد”. ثمة علاقة وثيقة على الصعيد العالمي بين استهلاك الطاقة ورفاهية الإنسان، والمفتاح هنا هو توافر الطاقة الرخيصة؛ إذ إنه لا توجد أمثلة تدل على أن أمة من الأمم الثرية تحقق لها الثراء بفضل استعمال طاقة باهظة الثمن. وليست هناك دولة واحدة ثرية، بما في ذلك الولاياتالمتحدة، يتوقع حالياً أنها ستعتمد مصادر طاقة منخفضة الكربون خلال السنوات العشرين المقبلة على نطاق كافٍ، بحيث يمكن لذلك أن يعادل الطلب المتزايد على الطاقة في الدول النامية خلال الفترة نفسها. وإذا كانت الدول الغنية غير مستعدة أو غير قادرة على اعتماد طاقة منخفضة الكربون على نطاق كافٍ، فكيف نفترض أن تقوم الدول النامية بذلك؟ ويضيف إن البلدان النامية لن تخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؛ لأنها تحتاج إلى الطاقة الرخيصة لتغذية النمو الاقتصادي فيها، وإن البلدان الغنية لا تستطيع مساعدتها على تحمل هذه النفقات؛ ففي الاتفاقات الدولية السابقة، كانت الدول الغنية قادرة على تبوؤ موقع القيادة في إيجاد السبل الكفيلة بالحد من الملوثات ومساعدة البلدان النامية. أما الآن، فإن تكاليف تطوير مصادر بديلة للطاقة، حتى يتسنى بلوغ أهداف دولية محددة للانبعاثات، مرتفعة جداً. وحتى لو أنهت البلدان الغنية اعتمادها على الوقود الأحفوري (الفحم الحجري والغاز الطبيعي والبترول وغيرها)، فإن خفض الانبعاثات فيها لن يعادل زيادة الانبعاثات من البلدان النامية. ومن المفارقات، أنه إذا توقفت الدول الغنية عن استخدام الوقود الأحفوري، فإنه سوف يصبح أرخص بالنسبة للدول النامية لاستخدامه. وهذا يقودنا – حسب هايوارد – إلى مفارقتين (سيئتين) بالنسبة للسياسة المناخية العالمية؛ المفارقة الأولى هي أن الدول الغنية لا يمكنها وحدها تحقيق الأهداف التي يقول الآن أهل الحل والعقد من علماء المناخ إنها باتت مطلوبة؛ لتجنب حدوث تغير مناخي خطير. وحتى لو تمكنت الولاياتالمتحدة وغيرها من البلدان الصناعية بطريقة ما من تحقيق خفض انبعاثات الغازات، مع تحملها تكاليف باهظة، بواقع %80، وهي النسبة المطلوبة حالياً لاستقرار تركزات ثاني أكسيد الكربون عند 450 جزءا من المليون بحلول عام 2050، فإن ذلك بالكاد سيوفر منافع مناخية أقل من المأمول بكثير. وقد خلصت الوكالة الدولية للطاقة إلى أن “بلدان منظمة التعاون والتنمية وحدها لا تستطيع وضع العالم على الطريق المفضي إلى مسار ال450 جزءاً من المليون، حتى لو تسنّى لها خفض الانبعاثات لديها إلى الصفر”. وبعبارة أخرى، حتى لو اختفت الدول الثلاثون الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية من على كوكب الأرض، فإن ارتفاع انبعاثات الغازات من البلدان النامية سوف يوصلنا إلى مستويات أعلى بكثير من هدف ال 450 جزءاً من المليون. أما إذا تمكنت الدول الغنية بطريقة ما من أن توقف اعتمادها بسرعة على الوقود الأحفوري، فإن المفارقة هي أن ذلك سيجعل الوقود الأحفوري أكثر جاذبية بالنسبة للدول النامية. ويوجد حوالى %80 من الوقود الهيدروكربوني في العالم في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية. وإذا قررت الدول الغنية التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري، فإنه سيصبح أقل تكلفة بالنسبة للبلدان النامية؛ الأمر الذي سيشجعها على استخدامه!