اهتم المجتمع الدولي ببحث حماية الوسائل لحماية الطفل، خصوصاً لأن فترة الطفولة هي الفترة التي يبدأ بها تشكيل وعي ونمو شخصية الإنسان، وبدايات صناعة القادة والمبدعين والفلاسفة، لذا كان الطفل محور اهتمام المجتمع الدولي لفرض الحماية على حقوقه وتأصيلها قانونياً للتأكيد على نموه في بيئة نفسية وصحية مثالية لنشأة أفراد المجتمع مستقبلاً الذين سيكونون نسيج المجتمعات المختلفة، قال تعالى: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ). ولتحقيق هذه الغاية، ومن هذا المنطلق، لقد أثارت فكرة إنشاء نظام قانوني خاص بالطفل وبحقوقه جدلاً فلسفياً وخلافاً قانونياً واسعين. فبالنسبة لعدد من الدارسين تبدو فكرة تمتع الأطفال بحقوق الإنسان فكرة ليست مقبولة فلسفياً، وذلك لأن الحقوق تكون بمثابة صلاحيات وسلطات تسمح لأشخاصها بترتيب التزامات للغير على أنفسهم. ولا يتمتع الأطفال في الواقع بأهلية كاملة لترتيب التزامات على أنفسهم لصالح الغير. وبالرغم من هذه الحجة، فإن حقوق الإنسان لا تنحصر بالمفهوم السابق للحقوق. إذ يمكن النظر لحقوق الإنسان على أنها مصالح يحميها القانون. وهذه المصالح لا ترتبط بالضرورة في الحالات جميعها بالراشدين، ولا يكون هناك بالنتيجة أي صعوبة من الاعتراف للطفل بحقوق طالما أن له مصالح لابد من حمايتها قانونياً. لذا تثير دراسة حماية الطفل في القانون الدولي عدداً من الأسئلة المهمة جداً. فما هي مصادر حماية الطفل في القانون الدولي؟ وما هو سن بداية الطفولة ونهايتها؟ وما هو الطفل لغايات الانتفاع بالحقوق وبالحماية الممنوحة له بموجب القانون الدولي؟ وما هي حقوق الطفل في الاتفاقيات والصكوك الدولية المختلفة؟ نستطيع القول إن الطفل بصفته إنساناً يتمتع بالحماية الدولية لحقوق الإنسان الواردة في الصكوك الدولية العامة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى ما ورد فيها من نصوص قانونية مختلفة تتناول عدداً من الحقوق الخاصة للطفل. ولكن الحماية الدولية للطفل لا تقف عند حدود هذه الصكوك العامة، فهناك صكوك عالمية وإقليمية تتناول على وجه الخصوص حقوق الطفل ومركزه القانوني. من بين هذه الصكوك الدولية: إعلان حقوق الطفل لعام 1924م الذي أقرته عصبة الأممالمتحدة ويعتبر أول صك دولي إعلاني تعتمده منظمة حكومية في مجال حقوق الإنسان وهو يسبق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأكثر من عشرين عاماً. ومن ثم جاء إعلان حقوق الطفل لعام 1959م الذي صدر عن الأممالمتحدة واعتمدته الجمعية العامة بتاريخ 20/11/1959م. ومن ثم اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م التي دخلت حيز التنفيذ في 1990م وفي عام 2000 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة البروتوكول الاختياري الأول للاتفاقية بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والبروتوكول الاختياري الثاني لها بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية. وغني عن القول إن اتفاقية حقوق الطفل هي الاتفاقية الأكثر شمولاً بين اتفاقيات حقوق الإنسان، حيث شملت الاتفاقية كافة الحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومما يحسب لصالح الاتفاقية أنها لم تقتصر على حماية الحقوق واحترامها زمن السلم فحسب، على غرار اتفاقيات حقوق الإنسان الأخرى، ولكنها تناولت حماية الطفل في الحروب والنزاعات المسلحة. بالإضافة إلى الحماية الدولية لحقوق الطفل، هنالك الحماية الإقليمية لحقوق الطفل، ومنها ميثاق حقوق الطفل العربي لعام 1983م الصادر عن جامعة الدول العربية، وهو أول صك إقليمي يتناول حقوق الطفل على وجه الخصوص. لكن يلاحظ أن ميثاق حقوق الطفل العربي عرّف الطفل بأنه كل طفل عربي من يوم مولده إلى بلوغه سن الخامسة عشرة من العمر، وهو تعريف لا يتفق مع الاتجاه السائد في القانون الدولي الوضعي الذي يجعل سن نهاية الطفولة ثماني عشرة سنة. وهو لا يعد صكاً قانونياً ملزماً، ولا ينبغي الاستدلال من اسمه أنه صك اتفاقي ملزم للدول. فالطابع الذي يسود نصوص الميثاق هو طابع إرشادي، ونصوصه لا تتضمن التزامات قانونية محددة بدقة، وقد حدت هذه الصفة ببعض الدارسين إلى إيجاد خطة عمل عربية في مجال حماية الطفل وحقوقه. ثم جاء الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته لعام 1990م، وبعد ذلك الاتفاقية الأوروبية بشأن ممارسة حقوق الأطفال لعام 1996، وأخيراً عهد حقوق الطفل في الإسلام، الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حالياً) في 2005م.من أهم الأسئلة التي قد تثور عند قراءة هذه الاتفاقيات: متى يبدأ سن الطفولة ومتى ينتهي؟يعرّف الطفل تقليدياً بأنه كل شخص ليس راشداً، وهو تعريف يتفق مع الممارسات والتصورات الثقافية والاجتماعية، ولكنه في الواقع ليس كافياً من الناحية القانونية، لذا كانت هذه إشكالية قانونية في مختلف الصكوك القانونية الوارد ذكرها سابقاً، فانعكس الخلاف حول بداية حماية الطفولة على تعريف اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 للطفل، فقد عرفت المادة الأولى من الاتفاقية الطفل «لأغراض هذه الاتفاقية كل إنسان لم يبلغ ثمانية عشر عاماً، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه» لكن لم يتم تحديد بداية الطفولة وثار جدل قانوني باعتبار مرحلة الحمل واعتبار الجنين يتمتع بهذه الحماية، أو اعتبار وقت الولادة معياراً لاثبات هذه الحقوق. ومن بين الحقوق المعترف بها للطفل في سياق هذه الاتفاقيات: الحق في التعليم وتأكيد مجانيته، الحق في الحصول على الرعاية والعناية من قبل أسرهم، الحق في حماية الطفل من الاستغلال فيما يتعلق بتحديد سن للحد الأدنى للعمل وحمايتهم من الاستغلال في الرق والسخرة والأعمال غير المشروعة. وأيضاً حماية الأطفال من الاشتراك في النزاعات المسلحة في مناطق النزاعات والحروب وتحديد سن أدنى لتجنيد الأطفال، والحق في قضاء أحداث يتم فيه معاقبة المخطئين منهم بما يتوافق مع فئاتهم العمرية وفي مؤسسات وأجهزة خاصة بهم بعيداً عن كبار المجرمين. وحق التمتع بحماية خاصة وأن تمنح له الفرص والتسهيلات اللازمة لنموهم الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نموا طبيعيا سليما في جو من الحرية والكرامة.