أحد الأسباب العديدة التي يتم ذكرها على أنها وراء تردد إدارة أوباما لاستخدام القوة العسكرية للإطاحة بحكومة الأسد في دمشق هو أن واشنطن «لا تعرف» الشخصيات التي تشكل المعارضة السورية. في مقال غاضب نشر هذا الأسبوع في موقع ناشيونال ريفيو أون لاين الإلكتروني، تذمر إيليوت أبرامز، وهو من المحافظين الجدد، من أن عاما كاملا قد مضى على الثورة السورية، ومن العار أن الاستخبارات الأمريكية لا تعرف خارطة طريق واضحة عن المتمردين السوريين. وجدت هذه الملاحظات التي كتبها أبرامز، الذي عمل في إدارة جورج بوش بمنصب (كبير مساعدين) حول سياسة الشرق الأوسط، مليئة بالمفارقات. أبرامز كان أحد أوائل المحافظين الذين تبنوا في مارس 2003 الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بصدام حسين. كان مؤيدا متحمسا لزعيم المجلس الوطني العراقي الدكتور أحمد جلبي، الذي غالبا ما يشار إليه على أنه تمكن وحده من جر الولاياتالمتحدة إلى المستنقع العراقي، مع «الدليل» الضخم الذي قدمه على أن صدام حسين كان يكدس ترسانة من أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك أسلحة نووية. نعم، صحيح أن رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت توني بلير قدم روايته المبالغ فيها أيضا حول وجود أسلحة دمار شامل طليقة في العراق. والرئيس بوش ونائبه ديك تشيني كانا يحتاجان للإقناع بأن صدام حسين يجب أن يرحل. وزير الخزانة السابق بول أونيل، في مذكراته الصريحة، استذكر أول اجتماع لمجلس الأمن القومي في إدارة بوش الجديدة في أوائل فبراير 2001. وصف أونيل حوارا دار بين مستشارة الأمن القومي في ذلك الوقت كونداليزا رايس، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع رونالد رامسفيلد حول الحاجة لمواجهة ترسانة صدام حسين المتزايدة من الأسلحة النووية. قال أونيل إنه كان يشعر أنه كان جالسا يشهد محادثة سبق التمرّن والتدرّب عليها، التي كان فيها الشخص الوحيد في الغرفة الذي لم يكن يمتلك نسخة من النص الأصلي. لكن أحمد جلبي كان في النهاية هو كبير المسوقين لغزو واحتلال العراق. فقد قدم للبنتاجون جيشا صغيرا من المخبرين الذين قدموا أدلة «شهود عيان» حول سعي صدام حسين للحصول على أسلحة الدمار الشامل. وما أن حدث الغزو في 2003، تم تكليفه من قبل إدارة بوش وسلطة الاحتلال بتفكيك الدولة العراقية، بما في ذلك الجيش العراقي. برنامج «اجتثاث البعث» الذي أطلقه جلبي تسبب في النهاية في بروز التمرد المسلح في االعراق. في نهاية المطاف، حدث شيء غريب. إيران، وليس الولاياتالمتحدة، برزت على أنها الرابح الأكبر من الإطاحة بصدام حسين. سواء أصبح العراق في النهاية دولة لتخفيف الصدامات مع إيران أو تحول إلى دولة عميلة لها، لا مجال للشك بأن توازن القوى في في منطقة الخليج تغير بشكل أساسي بعد الإطاحة بصدام وصعود سلطة شيعية رئيسية في بغداد. نفوذ إيران الجيوسياسي المتزايد تم تحقيقه بفضل التطرف الأعمى للمحافظين الجدد في واشنطن والصهاينة الإسرائيليين اليمينيين، الذين كانوا مقتنعين أن أحمد جلبي هو «رجلهم». مارك زيل محامٍ إسرائيلي وشريك سابق للمحامي دوجلاس فيث الذي كان من المحافظين الجدد في إدارة بوش. كان زيل حليفا مقربا لجلبي ومقتنعا أنه ما أن يصبح رئيسا للعراق فإن خط النفط بين الموصل وحيفا سيتم إصلاحه وسيتدفق النفط العراقي ليغذي الاقتصاد الإسرائيلي. اليوم، زيل يصف جلبي بأنه «مخادع، ضعيف الشخصية، ومرتد عن أصدقائه». أحلام زيل عن تحالف بين إسرائيل والعراق اختفت. وبحلول عام 2004 أثبتت المعلومات أن جلبي كان يعمل لصالح الحكومة الإيرانية، يتجسس على قوات الاحتلال الأمريكية، ويرسل معلومات استخباراتية هامة عن الخطط الأمريكية إلى طهران. الجنرال ريموند أوديرنو، قائد القوات الأمريكية في العراق، شجب علنا أحمد جلبي وقال إنه عميل إيراني. إدانة الجنرال أوديرنو دعمها السفير كريستوفر هيل تماما. هذان الهجومان العلنيان على الجلبي جاءا ردا على قرار الجلبي بنزع أهلية الغالبية العظمى من المرشحين السنة للانتخابات البرلمانية، وبذلك ساعد على تعزيز حكومة المالكي. المحافظون الجدد الأمريكيون اعتقدوا أنهم كانوا يعرفون المعارضة العراقية قبيل الغزو الأمريكي للعراق. كان الأمر بسيطا. كانت المعارضة العراقية تتمثل في شخص واحد فقط: أحمد جلبي. كان المحافظون الجدد متأكدين وخاطئين لأبعد حد. الجيش الأمريكي ودافعو الضرائب الأمريكيون تحملوا وطأة ذلك الخطأ العظيم. كانت تكلفة خديعة الجلبي على الخزينة الأمريكية حوالى 2 تريليون دولار، وقتل أكثر من 3000 جندي فيما سقط أيضا عشرات الآلاف من الضحايا. لست مندهشا أن هناك ترددا حقيقيا، خاصة من جانب كبار ضباط الجيش الأمريكي والاستخبارات الأمريكية، في تصديق المعارضة السورية. شبح أحمد الجلبي يلقي ظلا طويلا.