الكتاب: «الصراع على مصر: من ناصر حتى ميدان التحرير». الكاتب: ستيفن كوك. الناشر: أوكسفورد يونيفيرسيتي بريس، 2011. جلس عدد صغير من الضباط المتقاعدين يرتشفون القهوة في مسبح نادي الجزيرة، في صباح 11 فبراير 2011، قبل ساعات من استسلام حسني مبارك للملايين من أبناء شعبه المطالبين باستقالته، وكانوا يرتدون ملابس التنس، ويتحدثون بازدراء عن المتظاهرين في ميدان التحرير. قال أحدهم، وكان يعمل قبل تقاعده في أمن الدولة، ساخراً «من يمثل هؤلاء؟ أصواتهم مرتفعة، ولكن لا تنسوا أن 79 مليون مصري ليسوا في ميدان التحرير. أولئك هم الأغلبية». لم يخطر في بالهم للحظة واحدة أن مبارك قد يستسلم، أو أن سلبية غالبية المصريين لم تكن تعني تأييدهم للنظام الذي أضاع موقع مصر في قيادة العالم العربي، في وقت استشرى فيه الفساد، وازدادت انتهاكات حقوق الإنسان. هذا التحول في دور مصر هو موضوع كتاب «الصراع على مصر» للكاتب ستيفن كوك. يعتقد الكاتب أنه منذ انقلاب عام 1952 لم يكن لدى قادة مصر أيديولوجية محددة، لكنهم لجأوا عوضاً عن ذلك إلى أجهزة قمعية قاسية كانت ترهب المواطنين، لإجبارهم على الإذعان، لكنها فشلت في إيجاد أي سبب إيجابي لدعم الدولة. يتحدث الكتاب عن الأسباب التي جعلت مصر بلا وجهة محددة في العصر الحديث، وعن سبب التغير الكبير في القيادة من الكاريزما الكبيرة التي كان جمال عبدالناصر يتمتع بها إلى شخصية مبارك التي كانت تفتقد لأي نوع من الكاريزما، وعن الدور الأمريكي في هذا التحول في دور مصر في العالم العربي. يبدأ الكاتب بإجراء مسح سريع لليقظة السياسية المصرية في العصر الحديث. يقول كوك إن مصر ثارت على الاستعمار عام 1882، وبدأت بذلك عصراً من الاضطرابات التي شملت نظاماً ملكياً تحت النفوذ البريطاني، ويقظة دينية ألهمها الإسلاميون الذين قادوا اليقظة الإسلامية الحديثة. ازدهر الفساد، ومعه ازدادت حدة الصراع على السلطة بين النخبة، وصل الاشمئزاز الشعبي إلى نقطة الغليان عام 1948، عندما قاتل عبدالناصر وزملاؤه من «الضباط الأحرار» في فلسطين ضد إسرائيل، مباشرة بعد الإعلان عن تأسيسها. وبين عجز الملك، وجشع الليبراليين الحاكمين، وتآمر البريطانيين الذين كانوا لايزالون يحتلون قناة السويس، كان محكوماً على قادة مصر بالفشل. وفي انقلاب عبدالناصر في 1952، تخلص من جميع رموز السلطة الملكية، ووضع السلطة في أيدي مجموعة من الضباط الشباب غير المعروفين، الذين وعدوا بتغليب المصلحة الوطنية على كل شيء. كان عبدالناصر خطيباً محبوباً وشعبياً، وجرب القيام بإصلاحات عدة، بتأميم الأراضي الزراعية، وتوفير التعليم والعمل للفلاحين والفقراء. كان الشعب المصري يعلق كثيراً من الآمال على القيادة العسكرية المصرية الشابة غير الفاسدة، وبدورهم، قاد «الضباط الأحرار» موجة عارمة من الغضب ضد التدخل الأجنبي. ناصر بنى علاقات جيدة مع الاتحاد السوفييتي، لكنه لم يعتنق الشيوعية. واستخدم الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة، لكنه قمعهم بقسوة عندما لاحظ أنهم بدأوا يكتسبون شعبية كبيرة قد تخرجهم عن السيطرة. وعندما انهار جيشه الذي لم يكن يتمتع بقيادة جيدة في حرب عام 1967، كانت إصلاحات عبدالناصر قد توقفت. أنور السادات كان ضابطاً ضعيفاً، وجد نفسه فجأة يعتلي كرسي الحكم عام 1970، ولجأ إلى بناء بعض القوة مما تبقى من المجتمع المدني في مصر. خفف السادات القيود على الإخوان المسلمين، وشجع التجارة الحرة، ما أدى إلى ظهور طبقة جديدة من الأثرياء. ويتحدث الكاتب بالتفصيل عن الظروف التي أحاطت بزيارة السادات إلى القدس، والتي سرعان ما قادت إلى اتفاقيات كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، التي لم تلق رضا من الشعوب العربية، بما في ذلك الشعب المصري نفسه، لكن السادات استطاع بتلك الحركة الجريئة أن يتحول إلى ابن الغرب المدلل، مقابل تضحيته بالتأييد الشعبي داخل مصر. ولذلك فإن قليلاً من الناس حزنوا عندما تعرض للاغتيال عام 1981، وأصبح نائبه حسني مبارك رئيساً للبلاد. كان الدرس الذي تعلمه مبارك والطبقة الحاكمة في مصر هو ألا يخاطروا بشيء، واختفى الإحساس بدور مصر المحتوم في قيادة العالم العربي، ولم تعد هنالك ثقة لتخيل قفزات تنموية كبيرة، مثل السد العالي. وزاد الفقر وعدم المساواة في عهد مبارك، كما عادت مصر إلى دولة أمنية مرة أخرى، لكنها هذه المرة حليفة قوية لواشنطن وتل أبيب، وبحلول التسعينيات من القرن العشرين، كانت معظم طاقة مبارك تذهب إلى قمع المعارضة السياسية، والحفاظ على العلاقة الخاصة مع الولاياتالمتحدة. نشر مبارك جيشاً من الشرطة السرية والمخبرين الذين استطاعوا أن يخترقوا كل شيء، من بوابي العمارات، إلى التجمعات الطلابية، ولكن، بحلول عام 2011، لم يكن وجود المخبرين، واستخدام قنابل الغاز، واللجوء إلى القمع العنيف، كافياً لإبقائه في السلطة.