- شهدت محافظة القطيف في شرق البلاد، مؤخراً أحداثاً مؤسفة قام بها بعض ممن غُرر بهم وخضع للسيطرة الخارجية، من قبل بعض الساعين لإحداث بلبلة في هذه البلاد الآمنة، برأي سماحتكم، ما حكم من خان وطنه وبلاده وولاة أمره، وما هي عقوبة من يرتكب ذلك.؟ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المُرسلين، وبعد، فإن الخيانة أمر محرم، دلت نصوص الكتاب والسنة على تحريمها، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً)، والخيانة عاقبتها الوبال والهلاك، قال تعالى: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ). ومن عظم جرم الخيانة والغدر أنه يُنصَب له لواء يوم القيامة يُعرف به، يقول: “إِنَّ الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ”. وكان النبي يتعوذ منها، فكان يقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ”. ومن أعظم الخيانة أن يخون المرء وطنه وبلاده وولاة أمره، فإن الخيانة يعظم جرمها وإثمها بعظم ما يترتب عليها من الضرر والأذى الذي يلحق بالمسلمين، وبالمجتمع المسلم. ولا شك أن خيانة الوطن، وولاة الأمر تترتب عليها من الأضرار العظيمة، والنتائج الخطيرة على مقدرات الوطن ومكتسباتها، وعلى المواطنين بعامة الشيء الكثير. فالمؤمن الحق لا يقدم على خيانة وطنه الذي ترعرع فيه، ونال من خيراته، واستفاد من إمكانياته، ولا يمكن أن يقدم على خيانة ولاة أمره الذين يحمل في عنقه عهداً لهم، بالنصح، والوفاء، والأمانة، ونبذ الخيانة. وخيانة الوطن لها صور كثيرة، فكل من يكون مطية لأعداء الوطن والأمة في تنفيذ مخططاتهم، وما فيه من دمار للبلاد والعباد، أو يكون دليلا لهم على عوراتها وأسرارها، فهو خائن لله ولرسوله ولوطنه ولولاة أمره. وكل من سعى للإفساد في وطنه، وتدميره، وتخريبه بالأعمال الإرهابية، فهو خائن لوطنه وبلاده وإخوانه المسلمين. وكل من قام بالنعرات الطائفية، وإذكائها، وتحريض المواطنين بعضهم على بعض، أو تحريض الشعب على حكامه، وولاة أمره، أو قام بأعمال الشغب والفوضى، فهو خائن للوطن وولاة أمره. وكل من سعى في محاربة شعائر الدين، ومظاهر الصلاح في المجتمع، وطمس الهوية الإسلامية لوطنه، والتشكيك في ثوابت الدين والأمة والوطن، فهو خائن لدينه، وأمته، ووطنه. وأما عقوبة الخائن فهي موكولة إلى ولي أمر المسلمين بما يراه من عقاب مناسب يكون زاجراً ورادعاً لصاحبها، يكون عقابه بحسب ما يترتب على خيانته من ضرر وأذى. إضافة إلى ما يتحمله الخائن من إثم عظيم، وينال من عقاب شديد عند الله عز وجل يوم القيامة. - بماذا تصف من يعطي الفرصة للعدو لاستخدامه وسيلة ضغط أو تنفيذ أجندات ضد بلاده ووطنه .؟ لا شك أن هذا من أعظم الخيانة المحرمة على كل مواطن، وقد جلبت مثل هذه الخيانات من الويلات والمصائب على بلاد المسلمين الشيء الكثير. ومن أبناء وطننا هناك بعض ضعاف النفوس والإيمان من صار مطية لأعدائنا، يتحركون بإشارتهم، وينفذون مخططاتهم الخبيثة لزعزعة الأمن، والاستقرار، وتفريق الكلمة بين أبناء الوطن الواحد، وإثارة الفوضى والقلاقل في بلادنا الآمنة المطمئنة، والاعتداء على الأرواح، والأموال، والأعراض. فلا بد من التعامل مع هؤلاء بحزم وشدة؛ لأجل الحفاظ على أمن الوطن، وحقناً للدماء، وصوناً للأموال والأعراض، وحفظاً للتلاحم بين أبناء الوطن الواحد، وبين الرعية وولاة أمرهم. - سماحة المفتي لو انتقلنا لمحورٍ آخر، نلحظ في كل موسم حج، بعض الدول تسعى لإحداث بلبلة أو قلاقل في الأراضي المقدسة، وبين الحجاج؛ لأهداف سياسية بحتة، هدفها الإساءة للمملكة. بم تنصحون تلك الدول، أو تلك الأطراف .؟ في مطلع الأمر يجب القول إن الحج في الإسلام عبادة وشعيرة يقوم بها المسلم مريداً بها وجه الله والدار الآخرة، والتقرب إليه سبحانه، مع إعلان التوحيد لله عز وجل، ونبذ الشرك بجميع صوره، مرددين شعار التوحيد “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”. ومن هذا المنطلق إذاً، فالحج شُرع في الإسلام ليكون منسكاً، وعبادة، وتوحيداً لله عز وجل، فهذه هي الغاية الحقيقية للحج، وهذا هو المقصد العظيم من مشروعيته. فلا يجوز أن يستغل الحج لأغراض سياسية، أو مقاصد حزبية، أو يُتخذ ذريعة للإساءة للمملكة العربية السعودية، والإخلال بانتظام أمر الحجيج، وإحداث الفوضى بينهم، والإخلال بهذه الشعيرة المقدسة. ولكن رغم هذا السعي الحثيث، والنوايا السيئة من بعض أعداء الأمة كل سنة في موسم الحج، إلا أنه بفضل الله ومنّه وكرمه أولاً، ثم بجهود مباركة من قيادة هذه البلاد، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، وبجهود اللجنة المركزية للحج، وسائر الجهات المشاركة في تنظيم شؤون الحجيج، لم يحدث إلى الآن أي مشكلة، أو خلل، أو فوضى في مواسم الحج الماضية بحمد الله، بل تسير أمور الحجيج وضيوف الرحمن على أحسن وجه وأكمله، وتتم مناسك الحج بكل يسر وسهولة، وبكل أمان، وانتظام، وسلامة، واطمئنان، فالحمد لله أولاً وآخراً، والخزي والعار لأعداء الله وأعداء الأمة الساعين في الأرض فسادا. - وهنا اسمح لي أن أسألكم، ما رأي سماحتكم في حج الشخص دون تصريح رسمي .؟ لا يجوز الحج بدون تصريح، فإن فيه مخالفة لولي الأمر الذي أمر بتنظيم أمر الحج، واشترط لمن يريد الحج الحصول على التصريح الرسمي من الجهة المسؤولة. فإن ولي الأمر إذا سنّ نظاماً فيه مصلحة للناس، وجعل ذلك مُلزِماً لهم، فإنه يجب التزامه والتقيد به؛ فإن ولي الأمر لا يُلزم الناس بذلك إلا لما فيه من تحقيق مصلحة ونفع للحجاج، وفيه درء لكثير من المفاسد، وتفادٍ للزحام، ودفع للمشقة التي تحصل بسببه في موسم الحج. - ما رأيكم حفظكم الله فيمن يحج متلاعباً على الاشتراطات التي تشترطها المملكة للسماح بأداء فريضة الحج، كمن يزوّر تصريح الحج أو يتلاعب به .؟ إن التلاعب بهذه الاشتراطات أمر لا يجوز، فإنه خروج على أمر ولي الأمر، ومخالفة لما سنّه من الأنظمة. وأما من يقوم بتزوير التصريح، فإنه قد ارتكب محظورين في آن واحد، فإنه خالف النظام المسنون من قبل ولي الأمر، وفوق ذلك، قام بالتزوير، وهو أمر محرم في جميع الأحوال، ويشتد تحريمه إذا تعلق بتزوير الوثائق والمستندات الرسمية كتصريح الحج مثلاً. فمثل هذا الشخص يستحق عقوبة رادعة تزجره عما ارتكبه من مخالفة واضحة. - بعيداً عن الحج سماحة المفتي، الجميع تألم جراء حريق مدرسة براعم الوطن في جدة قبل أسابيع، ما هي الرسالة التي توجهونها لمن يثبت تورطهم في قضايا فسادٍ تؤدي إلى مثل هذه الكوارث التي ذهب ضحيتها بنات من هذا الوطن الغالي .؟ إن البنات فلذات أكبادنا، وهن أمانة في أعناقنا، فلا بد من التعامل معهن من منطلق الأمانة، والشفقة، والرحمة، والمسؤولية، والمحافظة عليهن من كل ما يسيء إليهن، والحرص على سلامتهن، وإبعادهن عن مواطن الخطر.فيجب أن تتوفر في الأماكن التي يتلقين فيها الدراسة والتعليم أن تتوفر فيها جميع أدوات السلامة، وكامل الاحتياطات اللازمة لتفادي حدوث مثل تلك الكوارث المفجعة التي راحت ضحيتها أرواح بريئة. ولا بد من محاسبة كل من يثبت تورطه في التساهل بشأن تلك المنشآت، والتفريط في توفير أدوات السلامة، أو التغاضي عن عدم صلاحية تلك المباني لدراسة البنات وتعليمهن. فإن تكرار مثل تلك الكوارث والأحداث، إضافة إلى ما فيه من إلحاق الضرر بالأرواح، والأموال، فإن فيه إساءة بالغة بسمعة هذا الوطن الغالي، فلا بد من إنزال العقوبة الشديدة بالمتورطين في تلك الأحداث إن كانت ناشئة عن تقصير وتفريط؛ حتى لا تتكرر تلك الأحداث والكوارث مرة أخرى. كما يجب على الجهات التي تتولى مسؤولية الإشراف والمراقبة على تلك المنشآت التعليمية، من تشديد المراقبة والمتابعة لمدى صلاحية تلك المباني، ووجود أدوات السلامة فيها، والقيام بصيانتها بشكل دوري ومستمر تفادياً لحدوث تلك الكوارث.