حين ذكر الأستاذ تركي السديري أن بعض الصحف لا يوجد فيها أكثر من عشرين متفرغا، فإنه في ذلك يضع يده على الجرح الغائر في علاقة الصحفي مع الصحف، التي تمتص رحيقه، دون كثير اهتمام بواقعه. وإذا كان رئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين أشار إلى أن عزوف البعض عن التفرغ الصحفي سببه غياب الحوافز، فإنه يمكنني أن أضيف أن بعض المؤسسات لا ترحب بالتفرغ، لأن ذلك سيمثل عبئا ماليا وإداريا على الصحيفة. أما المتعاون فيمكن الاستغناء عنه في أي لحظة دون الالتزام بأية حقوق تجاهه. وهنا يأتي دور الهيئة في الدفاع عن مصالح الصحفيين أمام المؤسسات الصحفية، لكن الأمر لا يبدو كذلك، لأن لائحة هيئة الصحفيين تشترط لعضوية جمعيتها العمومية التفرغ التام للعمل الصحفي، فهي بذلك تحرم المئات من المتعاونين من العضوية الكاملة، وبالتالي إمكانية الدفاع عن حقوقهم. فهؤلاء وإن كانوا أعضاء لكن لا يحق لهم التصويت على قرارات الجمعية العمومية حسب المادة الثامنة من اللائحة. كانت هناك مطالبات بإعطاء كافة الصحفيين حتى المتفرغين جزئيا الحق في عضوية الجمعية العمومية للهيئة، لكن قرار مجلس الوزراء الذي صدر الاثنين الماضي، والذي نص على «قصر الممارسة الصحفية على الصحفيين المعتمدين لدى هيئة الصحفيين السعوديين»، قد يغير المعادلة، ويطرح السؤال حول مفهوم «الصحفيين المعتمدين». حسب اللائحة الأساسية للهيئة، لا يوجد هذا التصنيف، بل هناك ثلاث فئات: العضو المتفرغ، وغير المتفرغ، والمنتسب. والأول فقط هو عضو الجمعية العمومية، والذي يحق له الترشح والانتخاب لمجلس الإدارة وبالتالي التصويت على قرارات الجمعية العمومية. فهل «الصحفي المعتمد» هو المتفرغ، أم يمكن أن يشمل غير المتفرغ أيضا؟ من جانب آخر اعتبر البعض القرار بأنه ذو بعد إيجابي في التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني، حيث تم إعطاء هيئة الصحفيين المرجعية في تحديد من يعمل في المجال الصحفي. غير أن تساؤلا يتم طرحه عن خلفيات صدور مثل هذا القرار، وهل جاء نتيجة شكوى بعض الجهات الحكومية من تسرب معلومات من داخلها ونشرها بطريقة لا ترى تلك الجهات أنها تخدم المصلحة العامة. وأن المتعاونين، ومعظمهم خارج الهيئة، أكثر جرأة في أطروحاتهم من الصحفيين الرسميين؟ أم جاء في محاولة لدعم الهيئة، حيث إن كثيرا من الصحفيين لم يصلوا بعد إلى قناعة بالدور الذي تقوم به. والسؤال المهني الأكبر، هل مثل هذا القرار سينعكس إيجابا على النشاط الصحفي، والشفافية التي تتجه إليها الدولة مع وسائل الإعلام؟ هل سيتجه الصحفيون إلى الهيئة قسرا لتصبح ممارستهم للعمل الصحفي قانونية، أم ستلجأ الصحف إلى دفع رسوم عضوية منسوبيها ليكون عملهم داخل الصحيفة نظاميا؟ أما السؤال الأخير فيتصل بمفهوم «الصحفي». وهو مفهوم شامل لكل إعلامي سواء عمل في الصحافة أو الإذاعة أو التلفاز، أو الصحف الإلكترونية؟ ولذا فإن هيئة الصحفيين تضم هؤلاء جميعا. فهل القرار الأخير سيطبق على جميع هؤلاء أم سيقتصر على الصحافة الورقية؟ ويتناغم بذلك مع مجلس الإدارة الجديد!