الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لرفع مستوى التعاون بين دول مجلس الخليج العربي إلى «اتحاد» دعوة أعتقد أن كثيرين من مواطني هذه الدول يؤمنون بأهميتها وفائدتها. المملكة العربية السعودية هي الداعية إلى هذا الاتحاد ولا أعتقد أنها المستفيد الأكبر منه على جميع المستويات خصوصاً الاقتصادية والأمنية لكن بلا شك فإن الاتحاد الناجح والفاعل أفضل لها من عدمه. ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع ليس هو الدعوة إلى الاتحاد في هذا الوقت ولكن الخوف من فشله إذا قام على أسس وقواعد هشة وأعمدة ليست راسية في أعماق شعوب المنطقة قبل حكامها. الفشل والانفصال قد يكونان المخرج الوحيد عندما تكثر الزوابع والخصومات التي تنجم من جراء العمل الوحدوي بين مجموعة دول متحدة الذي هو أصعب بكثير من العمل الأحادي السلطوي الذي اعتادت عليه الحكومات الخليجية والعربية بشكل عام. الفشل ثم الانفصال آثارهما مدوية وسيئة للغاية وقد تقذف رياحهما العاتية بسفينة الاتحاد بين دول المنطقة إلى صخور تتحطم عليها الآمال والأحلام وتأخذها إلى الوراء بعيداً كما فعل الانفصال بين مصر وسورية في نفوس العرب وأحلامهم بالوحدة. لا شك أن هذه صورة متشائمة لكنها في نظر عدد ليس بالقليل صورة واقعية خصوصاً إذا بني الاتحاد قبل إرساء قواعد صلبة تحفظ بنيانه من الانهيار عندما تعصف به كأي اتحاد عواصف العمل السياسي والاقتصادي المشترك. الأمر بالنسبة لي لا يتعلق بالمبدأ أي الاتحاد لأن الاتحاد الناجح قوة وتعظيم للفائدة بين المتحدين لكن المشكلة هي في تحقيق النجاح أولاً ثم المحافظة عليه وتطويره وزيادته ثانياً. خوفي هو من التصدع ثم الانهيار في الاتحاد بين حكام وشعوب اعتادت على العمل الانفرادي وليس الاتحادي وعلى تقديم المصالح الفردية الآنية على المصالح الإستراتيجية الجماعية طويلة الأمد. انظر إلى صراعهم حول الاتحاد الجمركي الخليجي الذي لم يرَ النور رغم اجتماعاتهم المتكررة لسنوات لأن كلاً يريد الحصة الأكبر من الكعكة فضاعت الكعكة وضاعت الوحدة الجمركية. وعلى الجانب السياسي حدث ولا حرج من اختلاف في المؤسسات إلى اختلاف في مبدأ الحكم، وعلى الجانب الاجتماعي وحتى الديني هناك فروق واختلافات هي طبيعية وليست ضارة في مجتمعات يسودها التسامح وليس التعصب للطائفة والقبيلة. هذه الاختلافات في الرؤى والمؤسسات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تلغي أهمية مبدأ الاتحاد الذي نادى به الملك عبدالله إنما تجعلنا أكثر حرصاً على تحقيقه وذلك بحمايته من خطر النكسات التي جرحت الضمير العربي وأدمته. الاتحاد بين دول مجلس التعاون إن كان سيكتب له النجاح فلابد أن يقوم على رغبة شعبية أساسها استفتاء حر ومباشر يقول المواطنون في دول مجلس التعاون القول الفصل فيه بعد أن يضع خبراء السياسة والاقتصاد والاجتماع من أبناء هذه الدول المبادئ الأساسية لاتحاد يؤدي إلى رفع مستوى الفرد في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحضارية والعسكرية والأمنية. عندما يصوت الشعب على هذا الاتحاد نكون قد أقمنا القاعدة الديمقراطية الصلبة التي تبنى عليها شرعية الاتحاد بين هذه الدول التي تحميها من التفكك والانفصال حيث لن يستطيع حاكم بمحض إرادته الانفصال عنه. فالانفصال كالاتحاد يحتاج إلى استفتاء شعبي للموافقة عليه وهذا سوف يحمي الاتحاد من تقلب الأهواء لدى الحكام، عندما تهب عاصفة من هنا أو هناك. المواطنون في المملكة العربية السعودية سيعود الاتحاد عليهم بالفائدة إن أقيم على أسس سليمة لكنهم لن يكونوا أكبرالمستفيدين منه كما أنه قد يتطلب الأمر منهم خصوصاً في الجوانب الاقتصادية والأمنية تضحيات في بداية الطريق أو في موسم الزوابع الرملية والحرارة الشديدة التي هي جزء من جغرافية المنطقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذا فإنه مهم جداً أن يكون لمواطني المملكة رأي وقول في الاتحاد وقد تكون البداية هي في انتخاب أعضاء مجلس الشورى فيصبحون ممثلين للشعب وليسوا مستشارين للدولة كما هي حالهم اليوم وبهذه الشرعية الانتخابية يصبحون مفوضين من الشعب على قول كلمة الشعب في موضوع الاتحاد. تجربة ألمانيا مع الاتحاد الأوروبي خصوصاً في الجانبين الاقتصادي والمالي لا تحتاج إلى بيان فهي التي تتحمل العبء المالي والاقتصادي الأكبر في المحافظة عليه من الانهيار ولولا موافقة الشعب الألماني على هذا الاتحاد من خلال استفتاء حر لما استطاعت الحكومة الألمانية تقديم الدعم للاتحاد. الاتحاد مبدأ وهدف لا غبار عليه ودعوة الملك عبدالله له هي دعوة صادقة من رجل يريد الخير والتقدم للأمة العربية، لكن لكي يكون الاتحاد أو الوحدة حقيقة مفيدة وفاعلة وقادرة تؤدي إلى التقدم والديمقراطية والقوة المادية والسياسية فلابد أن يكون بين أفراد ودول بينها من عوامل الاتحاد ما هو أكثر من عوامل الاختلاف وهذا يعني ترتيب البيت أولاً وجعل بنائه وقواعده أكثر ثباتاً واستعداداً لتحمل الهزات والاختلافات بين أعضاء الاتحاد التي هي جزء من أدبيات أي اتحاد. فلنبق الاتحاد هدفاً نسعى إليه ولنبدأ بإرساء قواعد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومفاهيم وقيم الحضارة البشرية وحكم القانون ومحاربة الفساد والفقر والمحافظة على المال العام. هذه بعض أهم مقومات الاتحاد فإن كان هناك تقارب في معدلاتها ومستوياتها بين دول المجلس كانت إلى الاتحاد أقرب وإن كان هناك بعد ومسافة في كلها أو بعضها، وهذا ما أعتقده، فإنه علينا البدء في سد الفجوة وتحقيق التقارب في هذه المبادئ المؤسسة للاتحاد وهذا هو أفضل جهد وعمل نقوم به لتحقيق الاتحاد حلم الشعوب وحلم الملك عبدالله. ومن حلم الاتحاد الخليجي يمكن أن ندعو ونؤسس لوحدة عربية هي في ظني وضميري في قلب المواطن العربي المنتمي للأمة العربية ليس بعرقه وأصله وفصله وإنما بتاريخه وتراثه وجغرافيته ومستقبله.