أعلن أمين عام حلف شمال الأطلسي “الناتو” راسموسن على “هامش” قمة حلف الأطلسي من شيكاغو الأسبوع الماضي عن بدء تشغيل “الدرع الصاروخية” في أوروبا و هي منظومة دفاعية قادرة على صد أي هجوم صاروخي يستهدف دول التحالف ، مع تزويد السفن الحربية الأمريكية في منطقة البحر المتوسط بصواريخ اعتراضية وتركيب نظام رادار أرضي في تركيا . هذا الدرع الصاروخي قائم على ”مبادرة الدفاع الإستراتيجي” التي أطلقها الرئيس ريجان في الثمانينات و تحمس لها الجمهوريون بوش الأب و الإبن ، فيما عطلها الديمقراطي كلينتون و خالفه أوباما بتشغيله مع اقتراب الانتخابات الرئاسية! كان الهدف الأساسي من إنشاء حلف “الناتو” عام 1949 واضح و معلن ، وهو ” إبقاء الروس في الخارج، و الأمريكان في الداخل” . أي حماية أوروبا من الخطر السوفيتي ... بقيادة أمريكية! وحتى بعد انتهاء الحرب الباردة بين الأمريكان و الروس و تفكك الإتحاد السوفيتي و توسع أهداف الناتو و تغير استراتيجيته ، لا زالت روسيا ترى فيه تهديدًا مباشرًا لأمنها. و توعدت مرارا بتوجيه ضربة استباقية ضد “الدرع الصاروخية” ، لاسيما وأن أمريكا لا ترغب في تقديم ضمانات لروسيا بشأن استخدامه. وبالرغم من محاولات الناتو “إقناع” روسيا بأن النظام الصاروخي يهدف إلى حماية أوروبا من تهديد حقيقي مصدره الشرق الأوسط و على الأرجح إيران، إلا أن روسيا بخلافاتها مع الغرب حول الثورة السورية وطرق مواجهة قدرات إيران النووية جعلت من نفسها طرفا في حلف “قوى الشر” في الشرق الأوسط، وأضحت في شبه عزلة “نفسية” عن جاراتها في أوروبا! كتب (روبرت هاديك) مؤخرا في مجلة الفورين بوليسي مقالًا بعنوان “الخليج الفارسي يحتاج ناتو خاص به” ، مقارنًا بين الاتحاد الخليجي و الناتو من حيث تشابه التهديدات الإقليمية التي أدت إلى التفكير في التحالف، و موازياً بين ما يحسبه هو والغرب انعدام ثقة من دول الخليج العربي في السعودية و خوف من هيمنتها أدى إلى تأخر قيام اتحاد خليجي في المنطقة وبين توجس دول شمال الأطلسي من بعضها البعض الأمر الذي أدى بها إلى أن تتخذ من أمريكا شريكًا في تحالفها بصفتها دولة محايدة ولا أطماع لها في أوروبا بالإضافة إلى قوتها الاقتصادية و العسكرية. حيث يرى الكاتب روبرت ، وهو ضابط سابق في البحرية الأمريكية قدّم خدمات استشارية لوزارة الخارجية ومجلس الاستخبارات القومي الأمريكي حول قضايا حربية ، يرى أن الحل في تسريع خطوات الاتحاد الخليجي هو وجود طرف محايد كشريك في الإتحاد ، يمكنه تقديم ضمانات لباقي دول الخليج و يزيح عن الاتحاد شبح الهيمنة السعودية ، و طبعًا وفقًا لروبرت هاديك فإن التجربة الأوروبية متمثلة في الناتو تجعل من الولاياتالمتحدةالأمريكية أفضل شريك في مقاعد الإتحاد الخليجي! روبرت كان محقا في ترتيبه لأولويات الإتحاد و إدراكا لدوافعه الحقيقية ، و لا يمكن لأحد إنكار فعالية حلف شمال الأطلسي مهما اختلفنا حول أهدافه. إن تطوير درع الجزيرة كمنظومة عسكرية دفاعية لابد أن يكون من أهم أولويات الإتحاد الخليجي كما أنه أكثرها منطقية و إقناع لضمان حد أدنى من الاستقرار الأمني و تعزيز مبدأ وحدة المصير. غير أن تحليل الغرب لأسباب تأخر الإتحاد و طرق تسريعه لا تبدو منطقية في ظل تراجع مكانة أمريكا في الشرق الأوسط ، كما أن أمريكا لم يعد لها ثقلها الاستراتيجي و لا يعوّل كثيرا على وزنها في استقرار المنطقة. إن تسويق الاحتياج الحتمي لأمريكا كراعي رسمي للإتحاد الخليجي في الوقت الذي غاب فيه تأثيرها منذ بداية الربيع العربي هو مشروع باهت. ومن ناحية أخرى فإن انتقاد الدوافع الأمنية في دعوة الملك عبدالله لقيام اتحاد خليجي لا يبدو منطقيًا في “غبرة” التصريحات الإيرانية الصلفة و التي لن تصبح قريبًا اسطوانة قديمة ، فالاسطوانة الإيرانية لازالت تعمل بفاعلية بل و تحولت إلى قرص مضغوط! بالإضافة إلى ذلك فإن الترويج لفكرة وجود خوف “مؤثر” من الهيمنة السعودية في الخليج لا يفسر حقيقة سبب تأجيل إعلان الاتحاد الخليجي في قمة الرياض التشاورية الأخيرة. و بحسب ما أعلنه سعود الفيصل فإن التأجيل جاء لوضع دراسة شاملة ودقيقة نأمل أن يتضح بها شكل الإتحاد و يُستفتى فيها شعب الخليج. و بينما أقر المجلس “الاتفاقية الأمنية” و كلّف وزراء الداخلية بالتوقيع عليها .... بقيت الأعين تتطلع لوزراء دفاع الخليج العربي و درع الناتو الصاروخية.