أعلنت وزارة العمل عن توجهها لإصدار قائمة سوداء تضم أسماء السعوديين والسعوديات الذين وصمتهم الوزارة بوشم شنار (العاطلين غير الجادين في العمل). هذا التوجه نتج عن دهشة الوزارة من ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل وتجاوزه لرقم المليون رجل وامرأة إلى هذه اللحظة، وفقا لتقديرات (طيب الذكر) برنامج حافز. حافز بلا شك كان خيراً ولو لم يأت منه إلا تقريب صورة ونسبة العاطلين عن العمل، لكفاه. أود أن أقول في البداية إنه لا يوجد أحد لا يرغب في العمل. حتى الذين يصرحون أنهم لا يريدون العمل ويعتقدون أنهم لا يعملون، هم في الحقيقة يعملون عملاً ما، ويمارسون نشاطاً ما. وكذلك إخواننا وأخواتنا الأعزة على قلوبنا من ذوي الاحتياجات الخاصة، الأسوياء بذكائهم وعقولهم، يجب أن نجد لهم الوظائف المناسبة لهم، ليحققوا النجاح في حياتهم، لأنفسهم ووطنهم. القول بأن هناك أناس لا يريدون العمل ليس سوى وهم من خيال. وهذا الوهم يجب أن يزول من أذهان الجميع، ابتداء من المواطنين وانتهاء بالوزارة. وهذا التوجه لإصدار القوائم السوداء، لم يقم على أي أساس موضوعي، وهو إعلان عن فشل الوزارة -برأيي- في مشروع توطين الوظائف، كما أنه يحوي استعجالا من الوزارة ورميا للمسؤولية على العاطلين. مازالت الكرة في ملعب الوزارة ومازال هناك الكثير مما يجب عمله فعلام الاستعجال على التخلي عن إخوانكم في الدين والوطن؟! أتعجب وأنا أقرأ لأحد (الاقتصاديين السعوديين) وهو يعلن تأييده للقوائم السوداء ويلوم الشباب الذين رفضوا الوظائف ذات الساعات الطويلة والرواتب الزهيدة، وهو ذاته يعلم، أن غالبية الوظائف التي تطرحها الوزارة دون المستوى المطلوب والتطلعات أيضا، ومازالت تدور في فلك حارس أمن وبائع ومندوب مبيعات برواتب لا تزيد على ألفين و500 إلى ثلاثة آلاف ريال. وأن هناك ثمانية ملايين أجنبي يعملون في القطاع الخاص. وهناك استقدام سنوي لمليون وثمانمائة أجنبي، والله أعلم كم ستصبح نسبتنا بالنسبة لهم إن استمرت هذه السياسة. بينما لم يتجاوز عدد السعوديين في هذا القطاع ال 700 ألف برغم وجود نظام سعودي يقول بأن النسبة في هذا القطاع يجب أن تكون 60% وهذا النظام مضت له عقود طويلة دون أن يطبق أو نرى سعياً صادقاً لتطبيقه! ذلك لأن رجال الأعمال السعوديين -أكثرهم – يفضلون العامل الأجنبي الذي يعمل من الصباح حتى ساعات متأخرة من الليل مقابل مرتب لا يجاوز ال 400 ريال. وفي كثير من الأحيان لا يعطونهم هذا المرتب بانتظام. بل يتأخر لشهور طويلة. ولهذا نرى هؤلاء العمال المساكين يتكدسون أمام مكتب العمل، يشتكون من الكفيل. هناك كذبة انتشرت، وأكثر من يحاول لترويجها هم رجال الأعمال السعوديون -مع الأسف- مفادها أن السعودي كسول ولا يحب العمل. والحقيقة هي أن السعودي كغيره من بني البشر، لا يفصل بين الناس في مسألة إتقان العمل سوى التدريب، دربوه ثم احكموا يا سادة. خلق الله لكل إنسان رياضته الخاصة، فهو إما أن يكون إنسانا يجد رياضته وطاقته وقدرته في جسده، وإما أن يجدها في ذهنه. فمن كانت طاقته وقوته في ذهنه يصلح للأعمال التي لا يحتاج فيها لقوة البدن كالأعمال المكتبية، فهو لا يميل كثيراً لحركة الجسد وقد يبدع في المحاسبة أو التدوين أو أي عمل كتابي. بينما يرى الإنسان الذي جُعلت قوته في جسده، أن صاحبه الأول كسول قليل الحركة، ولو أقعدته في مكتب لمدة ست ساعات لأصيب بالجنون. لذلك يصلح لقوي الجسد أن يعمل في مجالات تمنحه حرية الحركة والتنقل وربما السفر. بهذه الطريقة يكون كل أبناء مجتمعنا سعداء، وذلك عندما نعطيهم الوظائف التي تناسب قواهم وتميز بين القوي بجسده والقوي بذهنه. لا أن نرميهم جميعاً في دورات قد لا تناسبهم كلهم، ثم نرسلهم لوظائف لا علاقة لها أصلا بالدورة التدريبية! إن وزارة العمل مطالبة بأن تقوم بواجبها أمام الله وأن تؤدي مهمتها الوطنية تجاه أبناء الوطن من هؤلاء العاطلين بأن تقوم بدراسة قدراتهم الذهنية والجسدية وكفاءاتهم وإعداد التقارير عن كل طالب عمل بحيث يوجه للمكان الذي يناسبه ويكفل له الحياة الكريمة السعيدة في دولة هي من أغنى دول العالم اليوم، وعليها أن تصرف النظر عن إصدار تلك القوائم السوداء لأنها لن تبرئ ذمتها ولن تجمّلها أمام أحد، فالكل يعلم أن المشكلة من مسؤوليتها هي، بل وأسبابها الأساسية هي أيضا من مسؤوليتها هي.