صفق الجمهور والصحافة مطولاً لفيلم المغربي نبيل عيوش “يا خيل الليل”، العمل العربي الوحيد المشارك في تظاهرة “نظرة ما” ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الخامس والستين، الذي يعيد فيه المخرج عبر 115 دقيقة وبالاستناد إلى قصة واقعية، رصد سيرة منفذي اعتداءات الدارالبيضاء العام 2003. ويركز الفيلم على سيرة أخوين ورفاقهما مفصلاً وضعهم الاجتماعي والمعيشي إذ كبروا في أجواء من البؤس المعمم في حي صفيح “سيدي مومن” قرب الدارالبيضاء، حيث يسيطر الحرمان والعنف والتخلي ما يدفع بصبية لا تتسع لهم الحياة إلى التطرف والموت. المخرج نبيل عيوش الذي حضر بصحبة اثنين من الممثلين، وهما من سكان مدينة الصفيح تلك، واختارهما لتأدية دور الشقيقين في الفيلم، وهما كذلك في الحياة، أعرب عن سعادته وتأثره بالمشاركة في تظاهرة “نظرة ما” للمرة الأولى. وقال المخرج لوكالة فرانس برس فور انتهاء الفيلم “إنها لحظة مهمة في حياة مخرج، أن يرى الفيلم مكتملاً للمرة الأولى في هذه القاعة في مهرجان كان، وفي الوقت نفسه مع الجمهور.. أردت أن أعيش مشاعر وانفعالات المشاهد وبالفعل سافرت مع الفيلم. كان وقتاً جميلاً”. ورداً على سؤال حول صيغة الفيلم، قال عيوش “تفجيرات الدارالبيضاء لا تهمني بقدر ما تهمني سيرة هؤلاء الشبان، وما قادهم إلى ارتكاب فعلهم. أردت أن أعبر إلى الجانب الآخر من المرآة، أن أحكي التاريخ الشخصي لهؤلاء”. ويعتمد نبيل عيوش في فيلم صيغة غاية في الواقعية صورت في مكان يشبه تماماً المكان الذي نشأ فيه منفذو تلك التفجيرات، وعلى بعد خمسة كيلومترات منه، ومع ممثلين غير محترفين من سكان المكان المهمش. وعدل المخرج عن التصوير في سيدي مومن بعدما زحفت المدينة إليه، وأقيمت مبان عالية في بعض جوانبه، بينما هو كان يريد مكاناً بكراً كما كان عليه الحي من قبل. وعن ذلك يقول المخرج “حرصت على التصوير في المكان الطبيعي للحدث، لأن ذلك يمنح العمل واقعية لا يمكن أن نجدها في أي مكان آخر. نحن نعثر على حقيقة وواقعية مختلفة عما يمكن أن نعثر عليه لو صورنا في الاستديو”. وأضاف مؤكداً على أهمية اختيار المكان “حين نختار أن نصور ضمن شروط واقعية، فإن صعوبات مختلفة نتعرض لها، لكن بيئة الحي المعدم تكسب العمل واقعية لا مثيل لها، هذا ما ذهبت للبحث عنه هناك، وهذا ما يمنحني سعادة حقيقية”. ويقترب هذا الفيلم في نهجه وأسلوبه السينمائي وطبيعة الموضوع الذي يعالجه من فيلم المخرج السابق “علي زاوة” (2000) الذي أكسبه شهرة واسعة، وتناول فيه التهميش في قلب الدارالبيضاء من خلال معايشة بعض أطفال الشوارع في المدينة. وكانت بعض مشاهد علي زاوة صورت في حي “سيدي مومن” الذي يعرفه المخرج منذ تلك الفترة وهو يقر بوجود “ارتباط عضوي بين الفيلمين”، لكنه يعتبر أن “أولئك الصبية كان يمكن أن يصبحوا هؤلاء الشباب الذين فجروا أنفسهم. غير أن “يا خيل الله” يتعلق بحادثة واقعية، وربما هذا يسبغ عليه أهمية أكبر ويجعله أكثر راهنية”. ويشبه هؤلاء كل الشباب المغرر بهم في الكثير من أنحاء العالم، في المغرب كما في العراق كما في أوروبا، فمعاناتهم هي ذاتها تتمثل في استقالة الأهل وغياب التربية والتعليم وافتقاد المرجعيات والمثل والعيش في حي مقفل كما السجن وعدم التعرف على المدينة التي يتحولون إلى أعداء لها. ويبين الفيلم كيف أن نقطة الضعف الأكبر لدى هؤلاء الشبان المتروكين ليأسهم، تتمثل في فكرة الأخوة والمساعدة التي يجدونها بجانب الإسلاميين السلفيين الذين يستغلون افتقادهم لها، ويدخلون من بابها إلى قلوبهم وعقولهم. عبر سيرة اليومي وعلى مدى يمتد من الطفولة وحتى الموت، يرسم الفيلم بطريقة حرصت على أن تكون إنسانية أولاً كيف أن مصائر هؤلاء الشباب كانت مرسومة سلفاً في حياة لا يلوح فيها أي أمل ولا مفر فيها إلا إلى حلم الجنة التي يعدهم بها السلفيون. ويركز المخرج في رؤيته على كون أولئك الصبية الذين كان معظمهم أعضاء في فريق كرة القدم المحلي لم يخرجوا بعد من طفولتهم كما يبين أحد المشاهد الذي يصور استعداداتهم قبل العملية مباشرة حين يتابعون اللعب بالكرة، أو يرشقون بعضهم بالمياه. وتعطي معرفة المخرج بذلك الحي الذي صور فيه شريطاً وثائقياً مع أهالي منفذي العمليات، مصداقية للوقائع التي عادت واستندت إلى كتاب الصحافي والكاتب ماحي بنبين “نجوم بن مومن”، وهو اسم فريق كرة القدم الذي استقطبه الإسلاميون للقيام بالعمليات الانتحارية. ووضع السيناريو للفيلم جمال بلماحي بالتعاون مع المخرج انطلاقاً من ذلك الكتاب. أما عنوانه “يا خيل الليل” فاقتبس من حديث للنبي استخدمه تنظيم القاعدة وبن لادن مرات كثيرة للدعوة إلى “الجهاد”. أ ف ب | كان (فرنسا)