كرة الأهلي تشبه أرض قصيدة محمود درويش (رحمه الله) خضراء، نعم خضراء يحملها الغنائيون من زمن إلى زمن كما هي في خصوبتها! إنني أحد الملايين المسكونين بالأهلي حد الثمالة! وحد آخر القطرات التي تذوقناها من كأسنا الثانية على التوالي والماتعة تلك الليلة عندما شربنا نخب البطولة حد الارتواء، فكما توقعت وأمّلت لم يكن جمهور الأهلي (هيّناً) عند لاعبيه! وهو ما لم أكن أظنه البتة لأن أحد عشر كوكباً أخضراً لا يمكن أن يخذلوا جمهوراً كبيراً يملأ مدرجات الملعب منذ إشراقة شمس الجمعة ولم تغرب الشمس ليلتها بل أشرقت من جديد بعد منتصف الليل لتضيء جدة كلها والوطن بأكمله لتواصل كتابة تاريخ الأهلي الجديد الذي بدأ في ليلة شبيهة من العام الماضي ولم ولن يغيب بعد ذلك بقوة الكريم الجميل. لأن الله مع الجمال دائماً. وكرة الأهلي جميلة تليق بجمهور هو الأجمل بين كل الجماهير.. ويحق لشمس أمس السبت وهذا اليوم الأحد أن تستيقظ مبكرة وهي تشرق، قبيل منتصف ليلة البارحة الأولى.. بفنّ وعظمة ونور الأهلي الرفيع، لتغمر الملايين في وطني بضوء كريم ما يزال يغشى كل هذه الأرض بمختلف ميادينها وساحاتها وأماكنها وأحيائها وحاراتها ومنازلها وشوارعها وأزقتها وزواياها، ليرد إليها الحياة، فيصحو كوكبنا الحزين بكل أناسه يعانقون الأهلي، فيقودهم هذا النادي (الملكيّ) من أهدابهم إلى مهرجان جديد للفرح و(سَبْحاتٌ) من الفل. لا تنتظروا مني كلاماً يشرح كيف سارت معركة النزال ويسهب في قراءة خطط الفريقين المتصارعين على المجد وكيف انتصر (الراقي) على (النصر) في النهاية! فغايتي الأجمل التي أتوق إلى اقترافها دائماً ولا أتوب عنها هي الكتابة عندما يجبرني سحر «الأهلي» أن أهز جذع اللغة ليساقط الكلام حروفاً وكلمات وسطوراً تليق بجماليات الأهلي وفتنته التي لا تنتهي. والأهلي ليس فريق كرة وحسب، بل هو وطن يسكنه النبلاء والعشاق والناس الطيبون ويسكنهم.. ثم يقولون بملء أصواتهم وأرواحهم: هنا النادي الأهلي.. هنا خالد بن عبدالله.. «وما عدا ذلك شائعة ونميمة» ! وبالمناسبة هل تابعتم لقاء الأمير خالد بن عبدالله في الملعب بعد المباراة والتتويج للقناة الرياضية؟.. كان أميراً بتواضعه وأخلاقه وهدوئه وعقلانيته.. وكم كان أبوفيصل كبيراً عندما قال: «كلنا تحت رئاسة الأمير فهد بن خالد».. إنه أجمل تكريم وأصدق إنصاف نالته إدارة النادي الأهلي وهي تستحق ذلك فعلاً! وقبل أن أختم هذه الاحتفالية الاحتفائية، أريد أن أسأل القراء: من رأى منكم قمرا يظهرُ مكتملا مرة ثانية وفي الموعد الذي يشاء؟ أيْ قبل الليلة ال15 وبعدها أيضا؟ وحده (الأهلي) يفعلها.. أهلي الأرض.. أهلي الوطن. هذا الأهلي، عاد لعشاقه بمزاجه هو وقدّم لهم، ولكل محبي الفن، في الليلة ال28 من الشهر قمرا آخر مكتملا ناضج الضوء وباهي المحيّا. وبعد غد الثلاثاء، في أول الشهر الجديد، سيفعلها الأهلي مرة أخرى، وسيلمع في سماء الملعب بقمر يظهر لكل المتابعين بكامل استدارته وفتنته، مخترقا أشد الحجب وساطعا فوق غمام منافسه الإماراتي!! ليس الأهلي سوى قمر سيحيا، من الآن فصاعدا، ديمومة الاكتمال، وأخيرا ليسمح لي السيد عثمان العمير بتصحيح جملته القديمة، لأخاطب كل الجماهير المغرمة بكرة القدم قائلا لهم: «اتركوا التعصّب وشجعوا الأهلي». لستُ متعصبا هنا ولا ساخرا من جماهير المنافسين، لكنني أخال نفسي في قمّة حيادها لسبب بسيط جدا: لأنّ (الأهلي) هو (الحياد) ! وصل الملك للملعب فسجل الأهلي.. الملك فأل خير على الأهلي.. ثم إن تسجيل الأهلي لهدفه الأول في اللحظة التي وصل فيها الملك تأكيد ومصادقة من الأقدار على أن الأهلي هو النادي الملكي.. وليس محض كلام! .. وفعلاً كما قال المعلق عدنان حمد وجمهور الأهلي: «الملكية صعبة قوية»!