معظم الصحف والمواقع تستهل أخبار القبض على لصوص أو مروجين بفعل «أطاحت» الشرطة أو الهيئة بعصابة... رغم أن الإطاحة تقتضي زلزلة بناء متماسك، وتفكيك شبكة معقدة مثل القول: أطاحت الداخلية بخلية إرهابية، أما القبض على لص كفرات أو نشال، أو مروج صغير فلا يعدّ إطاحة. المفارقة أن هذه الوسائل الإعلامية رغم كرمها الباذخ لم تتفضل بمنح فعل «أطاح» إلى أي من نشاطات هيئة مكافحة الفساد باستثناء خبر واحد نشرته وبضعة عناوين، علماً بأن بقاءه في العنوان دون جسم الخبر يعني، عرفاً، وجود تعاطف مع حالة الجهة وتشجيعاً لها. هذا الشح لا يعود إلى حداثة نشأة الهيئة بل لأن هذه الوسائل تمنح شرف الانتماء إلى فعل «أطاح» إذا تضمن الخبر أسماء أو شبكة. ووفق هذا القياس فإن هيئة الفساد هي الأكثر استحقاقاً لنيله والفوز به، لأن مدار عملها ملاحقة الأشخاص والشبكات الفاسدة، ثم إن الجميع يدلها، ليلاً ونهاراً، على مواطن الفساد بدءاً من الاختلاسات والتزوير والاستغلال وصولاً إلى حفريات الطرق وتأخر المشروعات، فهل يعقل أنها لم «تطح» حتى الآن بهامور يرفعها إلى مصاف الداخلية عندما تجتث خلية إرهابية؟ وهل المشكلة هي في استعصاء الفاسدين على يدها أم في نوعية إجراءاتها وبطئها؟ وهل ميلها للتفاصيل الصغيرة يعني نزوعها للعمل الآمن من غير أذى، أم أن موظفيها يتدربون على «الإطاحات» الصغيرة إلى أن يقوى عودهم ويشتد ساعدهم؟ كل ما أخشاه أن يكون فهم الناس للفساد مختلفاً عن فهم الهيئة، وحينها لن «تطيح» بأي هامور كما يأمل المواطن ويظن، بل ستركز نشاطها على التفاصيل الصغيرة والمحدودة، وإن استمرت على ذلك فإن اسمها الفعلي هو: هيئة مكافحة الفويسدين دون «إطاحات»!