الشرق: معصومة المقرقش “خلف كل سلوك سلبي في مدارسنا دوافع” ، عبارة رددها الكثير من التربويين والعاملين في السلك التعليمي. في الماضي كانت هذه العبارة تردد مع سلوكيات البنين، لا البنات، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح صوت الطالبة الذي يعلو على صوت معلمتها داخل الصف أمراً مألوفاً وطبيعياً ، حتى تبعتها سلوكيات أخرى مخالفة لنظام المدرسة. الطالبات، وخلال حديثهنّ ل “الشرق”، انتقدنّ أسلوب التلقين بصبغته الصارمة، والذي تقوم به بعض المعلمات في جو من التهديد والصراخ اليومي؛ مما يجعلهنّ يقمن بسلوكيات تثير غضب هيئة التدريس، ويبررن ذلك بمعاملتهنّ بطريقة لا تليق بسنهنّ . من هذه السلوكيات، مثلاً، إخراج المرايا والعطر وقت الحصة والمعلمة تشرح درسها، ارتداء الزى المخالف بدءاً من لون الجورب وانتهاءً إلى تسريحات وقصات الشعر الغريبة، ووضع مساحيق التجميل وارتداء الإكسسوارات. أساليب انتقامية وهبة المهر” طالبة في الصفوف الثانوية تقول” بعض معلماتنا يعتبرون ما نعبّر عنه في طريقة شرحهنّ للدروس انتقاداً لطريقة تدريسهنّ؛ فيتحول النقد البناء إلى أسلوب سخرية من قبل المعلمة، وترفض النقاش، بل أنها” تقوم بطرد الطالبة من الصف إلى جانب هضم حقها في الدرجات”. وتضيف أن بعض المعلمات يخاطبهنّ بأسلوب استهزاء إلى جانب إساءة الأدب مع الطالبة لفظيا مثل، قليلة أدب، غير متربية، (....)، لافتةً إلى أن هذه الأساليب تؤدي إلى انفجار الطالبة في أي لحظة، وقد تعتدي على المعلمة لفظياً، أوبأساليب انتقامية أخرى. لا تشتميها .. كوني أختاً كبرى بدورها ، رفضت المعلمة نعيمة الدرويش استخدام بعض الألفاظ النابية غير اللائقة في مخاطبة طالبتها المخالفات أو حتى المشاغبات داخل صفها قائلاً” لا يمكن أن تكون المعلمة القدوة بذيئة اللسان، فأنت إذا تلفظت بذلك يعني أنك تعطين مجالاً للطالبة بالرد عليكِ بالمثل”. وتبين أن انجح الطرق لإكساب الطالبة هو أن تشعر أن معلمتها أختاً كبرى أو أماً لها ، مشيرةً إلى ضرورة إعلام الطالبة سبب توبيخها الذي هو نابع من حرص معلمتها على خيرها وسعادتها وإصلاحها. وتضيف” نحن المعلمات حقيقة لا نملك الوقت الكافي لحوار طالباتنا، نظراً لضيق وكثرة الحصص ، إلى جانب أن بعض مدارسنا تفتقر إلى وجود مرشدات متخصصات في علاج مشاكل الطالبات “، لافتة إلى أن ضغوط مناهجهنّ ساعد على تقليل لغة الحوار بين الطالبة ومعلمتها. لماذا غاب الحوار؟ وعن سبب غياب الحوار بين هيئة التدريس والطالبة ، تقول” ندى الزهيري” وهي إدارية متقاعدة مبكراً من وزارة التربية والتعليم إن ” افتقار التدريس القائم على المهارات العالية التي تؤدي إلى إيجاد نوع من الألفة، والثقة بين الطالبة ومعلمتها وقدرتها على ضبط سلوكيات الطالبات داخل الصف، من خلال مهارتها في جذب انتباه الطالبات، واستحواذها على اهتماماتهنّ، دون ممارسة أي نوع من أنواع العنف تجاههنّ هو سبب في غياب لغة الحوار”. اختلاف البيئة وتوضح الزهيري ل “الشرق” أن”اختلاف البيئة بين الطالبة، وهيئة التدريس، واختلاف الأيدلوجيات قد يشكل عائقاً تربوياً “، لافتةً إلى أن الهيئة التعليمية من المفترض أن تكون ملمة بهذا الجانب ومتيقظة له، وقادرة على معالجته وخلق جو الانسجام، والبيئة المناسبة للجميع”. وتبين أن “الطالبة تحتاج إلى المحبة والاحتواء؛ فأغلب المشكلات التي تحدث داخل الصف تنتج بسبب عدم شعور الطالبات بحنو المعلمة، وعدم شعورها بالاستقلال الفردي، وقدرتها على حرية الاختيار، وأنها دائما في حالة حصار ، وضغط وجبر على فعل عمل ما”. وتشير إلى أن “المعلمة هي الأخرى تحتاج الى المزيد من التمكن في مهارات التدريس لاحتواء طالبتها، وإدارة سلوكياتهنّ داخل الصف، حتى تستطيع خلق جسراً من التواصل سهل ومرن وفعّال”. غياب المرشدات المتخصصات وتقول إن “معظم المرشدات الطلابيات في مدارس البنات غير متخصصات، وهن مرشدات بمسمى معلمات، ومن هنا برزت المشاكل بشكل كبير بين الطالبات والمعلمات للعجز الحاصل في توفير المرشدات المؤهلات لذلك ” ، مشيرة إلى أن هناك قلة من اللواتي يطورن من أدائهن الوظيفي عن طريق الالتحاق بمركز التطوير التربوي. وتضيف “من خلال نظرتي السابقة للأمور، وخبرتي الوظيفية، وجدت أن أهم المشاكل التي تواجهها المعلمات في عملية التواصل ، هو الضغط القائم عليهن من قبل وزارة التعليم، ومرافقها من جهة، وعدم قدرة المعلمات الاستيعابية على تحمل هذا الجهد المضني”. وتذكر ن بعض المعلمات يتعاملن مع طالباتهن بفوقية مفرطة بحجة الاحترام والهيبة ، مما يجعل حاجزاً ضخماً للإقصاء وانعدام عنصر التواصل الإيجابي ما بينهما مما يفاقم، ويوسع دائرة الخلل في التواصل والحوار، وغياب المعلمة القدوة”. القدوة الغائبة وتقول المدربة المعتمدة من مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني افتخار آل دهنيم، وهي أيضاً معلمة لغة عربية إن”مدارس البنات للأسف الشديد تفتقر إلى وجود القدوة الصالحة ؛ فمن غير المعقول أن تطالب الطالبة المراهقة في صفوف المتوسطة بالتقييد بالنظام وقوانين المدرسة، والمعلمة المربية لا تطبق شيئاً منها”. وتضيف” أبسط مثال على ذلك أن تمنع الطالبة من وضع المساحيق التجميلية من كحل ومرطب للشفاه، والمعلمة ماكياجها لحفلة، أو لسهرة ، وأن تطالب الطالبة بالالتزام بإغلاق مفاتنها، وقمصان بعض المعلمات ضيقة وشفافة”. آل دهنيم وفي حديثها مع ال”الشرق” توضح أن “أسلوب النهي والأمر (لا تفعل، وأفعل) في التربية لم يعد مجدياً في المدارس اليوم ، كما لا يراعي فهم وحرية النقاش بين المعلمة والطالبة، ولا يساعدها على مواجهة العالم الخارجي، وقبل أن تطالب الطالبة بمسح مساحيقها التجميلية في الطابور ، تخاطب بأسلوب أكثر رقي كأن تقول لها نوما بلا سهر وفطور صباحي، وتفاحة وعسل تعيد النظارة لبشرتك ، وكلما كنت طبيعية كنت الأجمل”. الحوار مفتاح لحل المشاكل وتتابع” آل دهنيم” أن غياب لغة الحوار الجاد بين المربية وتلميذتها ساعد على تفاقم هذه المشاكل في مدارسنا، فطالبة اليوم بحاجة إلى لغة جديدة هادئة تواكب تطلعاتها العصرية وحاجتها العاطفية ومتطلبات مرحلتها العمرية وخطورتها” ، مضيفة أن “غياب الحوار في المدرسة يسبب تراكمات نفسية وضغوطًا للطالبة تتحول مع مرور الوقت إلى عنف ، أو عدم القدرة على التعبير بالطرق السوية”. وتلفت إلى أن “لغة الصراخ والشد بينها وبين طالباتها لم تعد لها مكاناً في هذا العصر” ، داعية إلى ضرورة تأهيل المعلمات والمربيات بإلحاقهنّ بدورات وورش في فن التخاطب والحوار مع الطالبات أولاً قبل أن يمارسنّ عملهنّ التربوي. التعليم | سلوكيات مخالفة | مدارس بنات