تثبت الاستخبارات السعودية مرة أخرى أنها من أقوى الأجهزة الاستخباراتية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وأن التعاون الاستخباراتي العالمي هو ركيزة منظومة العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، التي أصبحت تقام على أساس المصالح المشتركة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو أمنية. الجديد الذي أضافته المملكة وتفردت به في العالم، هو الاعتماد علي العنصر البشري (المحترف) وليس على الأجهزة التكنولوجية أو الأقمار الصناعية فقط، التي أثبتت فشلها في رصد والتقاط صور مثل هذه القنابل المتطورة غير المعدنية التي يطلق عليها « قنبلة الملابس الداخلية «underpants»، وهي النسخة الجديدة المطورة من «قنبلة الملابس الداخلية» التي فشلت في إسقاط طائرة ركاب فوق ديتريوت في 31 ديسمبر عام 2009، وتحمل البصمة الجنائية لصانع القنابل في تنظيم القاعدة» إبراهيم حسن عسيرى «المختبئ حاليا في اليمن، كما يؤكد البعض. وفي عام 2010 نجحت الاستخبارات السعودية في الكشف عن طردين مشبوهين كانا في طريقهما من اليمن إلى الولاياتالمتحدة، حيث كانت وجهتيهما النهائية مركز عبادة يهودي في مدينة شيكاغو، وأعلن «جون برينان» مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب وقتئذ عن أن: «الولاياتالمتحدة ممتنة للمملكة العربية السعودية لمساعدتها في توفير المعلومات التي مكنتنا من التعرف على التهديد القادم من اليمن». وأن الطردين يشكلان «تهديدا إرهابيا حقيقيا» من قبل «تنظيم القاعدة» في جزيرة العرب، ووصفهما «برينان» بأنهما: «يحتويان على مواد «حساسة جداً»، تهدف إلى التسبب بأكبر أذى ممكن». والهدف المعلن لتنظيم القاعدة في «اليمن» هو استهداف «المصالح الأمريكية»، وحسب «بروس هوفمان» خبير الإرهاب الدولي، فقد عمد تنظيم القاعدة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، إلى تكثيف استراتيجية الحرب الاقتصادية ضد الولاياتالمتحدة. من هنا قام جهاز الاستخبارات السعودي بزرع العميل (المزدوج) داخل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بهدف إقناع موجهيه بإعطائه هذه القنبلة غير المعدنية لتنفيذ المهمة، وأن العبوة الناسفة كان مخططا أن يجري تهريبها إلى الخارج على متن طائرة دون رصدها ثم تفجيرها. ناهيك عن الدور الذي لعبه هذا العميل المزدوج في توفير معلومات مهمة ساعدت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في تحديد موقع القيادي بالقاعدة «فهد القواس» الذي قتل الأحد الماضي، عندما استهدفته طائرة بدون طيار تابعة للوكالة بصاروخ بينما كان يخرج من سيارته في واد جبلي في محافظة شبوة اليمنية الجنوبية. ويعكف حاليا خبراء بمكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي في ولاية فرجينيا على تحليل العبوة، لتقرير هل كان يمكن فعلا أن تتفادى إجراءات الأمن في المطارات، وحسب الدكتور وليد فارس مستشار المجموعة النيابية لمكافحة الإرهاب في الكونجرس الأمريكي فإن نجاح الشراكة الأمنية الدفاعية بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة بدأ منذ عملية التجنيد الأولي التي بدأت في السعودية ثم في الاختراق عالي المستوى لتنظيم القاعدة، وانتهاء بتسليم هذه العبوة الخطيرة للولايات المتحدة. وأضاف أن ذلك يدل دلالة قاطعة على أن السعوديين يمتلكون قدرات استخباراتية على اختراق أعتى التنظيمات الإرهابية في العالم بسبب معرفتهم العقائدية وخبرتهم بطبيعة الأرض الجغرافية والاجتماعية والسياسية شديدة التعقيد في اليمن، وهو ما مكن القدرات التكنولوجية التجسسية العالية للولايات المتحدة والقدرة على التنصت الفضائي والتحليل الكيميائي الفائق من ممارسة مهامه. ما يشغل واشنطن حاليا بعد هذه العملية التي لن تكون الأخيرة – كما يقول – هو اكتمال التعاون الاستراتيجي مع المملكة على مختلف الأصعدة وليس على مستوى تنظيم القاعدة فقط، فالارهاب المدعوم من النظام الإيراني والأنظمة المتعاونة معه مثل النظام السوري وحزب الله لا يقل خطورة وشراسة، وبالتالي على الولاياتالمتحدة والمملكة الاستعداد لمجابهة محاولات جديدة قد تتعاون فيها القاعدة مع النظام الإيراني، لأن القاعدة بعد مقتل «أسامة بن لادن» و»العوالقي» ليست في انحسار بعد أن تلقت ضربات موجعة، وإنما هي تستعد لموجة جديدة من العمليات الإرهابية انطلاقا من اليمن في الجزيرة العربية والصومال في أفريقيا.