هكذا تتحرك القصيدة: لا يستند الشاعر على موضوع محدد، تحيط به سحابة من الغامض الملتبس، يفوح الإيقاع، الذي لابد من التأكيد على مسألة أنه ليس الوزن العروضي، ولا وقع القافية، على ما للعروض والقوافي من أهمية جمالية، ستأتي أدوارها، الإيقاع حاجة عجيبة: لا يمكن تزويره بتقليد مهما جاء متقناً، هو أكثر عجبا من ذلك: يكتب الشاعر مجموعة من القصائد لها نفس الإيقاع، وليس فيها قصيدة مشابهة لأخرى، كل تفاعلات عناصر القصيدة: كيمياء، الإيقاع وحده: خيمياء، ولأن الإيقاع يتجسد غمغمة وهمهمة وصوتا: معه وبه ومن خلاله وفيه تعود أمور كثيرة لبداياتها، الصوت فارغا مما عداه أساس القصيدة، التي هي صوت شكل حرفا شكل كلمة تلاقحت مع مثيلات لها فتشكل المعنى، والمعنى صنع المجاز، والمجاز صنع الخيال، الجملة الأخيرة مربط فرس: المجاز هو الذي يصنع الخيال في القصيدة، وليس العكس، كما يبدو للجميع تقريبا من الوهلة الأولى، رغم بساطة الأمر، جرب بنفسك هل تقدر أن تتخيل دون لغة، استحالة، لكنك تقدر على مجاز لغوي دون خيال، ذلك لأن حقيقة اللغة أنها مجاز!، من هنا يمكن التفريق بين الشعر وأن تكون شاعراً وبين النثر وأن تكون ناثراً، الشعر: غريزة موسيقى، والشاعر: شهوة صائتة، بينما النثر: نشاط فكري، والناثر: معنى، «غوتة « يطرق الباب، جئت في وقتك سيدي: (الأمر في غاية السهولة، ذلك أنه لكي تكتب نثراً يجب أن يكون عندك ما تقوله، من ليس عنده ما يقوله فلينظم شعراً، حيث تجر الكلمة وراءها كلمة أخرى، ونخرج في المحصلة بشيء لا يعني شيئاً في جوهره، ولكن له شكلا يبدو كما لو كان شيئا ما)!، بيني وبينكم، أظن أن «غوتة»: (جاب التايهة فعلا)..!