استطاع مدير تحرير قسم المحليات في صحيفة «الشرق»، محمّد المرزوق، في روايته «لا تشته امرأة جارك» الصادرة عن دار «الغاوون» في لبنان، أن يرفع «الغطاء الاجتماعي» عن كثير من العادات الاجتماعيّة للمجتمع السعودي، سيما في محافظة القطيف التي تدور فيها أحداث وتفاصيل الرواية.ويأخذ المرزوق القارئ إلى عالم مفتوح على فضاء ساخر، تلمع فيه النكتة بين عباراته وصوره المدهشة، ولعلّ ذلك كلّه، مع مهارة فائقة في التنقّل بين أحداث الرواية، وممارسة «فك وتركيب الأحداث» عبر تسلسل متداخل ومتشعّب، وشد ناعم للقارئ عبر خيط واحد، مكَّنه من إتقان ما يسمى ب»تكنيك الكتابة» في فن الرواية.وتدور الرواية حول قضيّة مركزيّة، هي مسألة اختيار الزوجة، وهو ما يقود بالضرورة إلى الحديث عن وضعيّة المرأة، وسط تقاطعات حساسة، منها ما هو ديني، ومنها ما هو عرفي.واستطاع الكاتب أن يلعب بالبيضة والحجر في لحظة واحدة، مستخدماً الحوارات بين شخوص الرواية، فتارةً تقرأ الرأي الاجتماعي التقليدي من خلال ما يقوله سعيد، والد بطل الرواية «علي»، الذي أحبَّ ريم، وهي فتاة سوريّة تعرف عليها بواسطة صديقه سامر في مقهى بحي الصالحيّة بدمشق في إحدى زياراته لها، وتارةً تقرأ الرأي الديني من خلال الحوار بين العريس «علي» وصديقه سالم في القطيف. وقد أُجبر علي على الزواج من بنت عمه هدى بقرار حاسم من أمّه وأبيه لم يملك سوى تنفيذه، لكن المرزوق يدهشك بأسلوبه الساخر، وهو ينقل لك كل تفاصيل ذلك، فتجد العريس المجبور يقف في صالة الأفراح «يده أمامه تتلقفها أيدي المباركين، مثل متسوّل وسط السوق لا يكف عن الثرثرة». «قالت له أمّه أن يدوس على طبق الريحان، طلبت عمته أن يضع رجليه مع رجلي هدى في طشت ماء، غسلتهما بماء ورد. قالت إنّ هذا سيعقد الحب بينكما إلى الأبد، شعر أنّه غبي، وأنّ عمته تعرف أنه غبي. خطر في رأسه سؤال: هل ينعقد الحب من القدمين؟!».ونقل المرزوق، عبر تسلسل طبيعي، حالة العريس، منذ أن كان طفلاً في حِجر جده علي بن جابر المتوفَّى والمتمدد في كل نسيج الرواية، كما نقل بدقة لحظات دخوله مرحلة البلوغ، وتفاصيل تلك اللحظات التي تمتد لأيام، وما ترك استفهامات «علي» حتى همسه لنفسه حول ما يتعرض له من تحولات فيسيولوجيّة. وكانت علاقة العريس بالبنات طوال حياته تلخصها الأسطر التالية «تخيّل فتاة جميلة تعطلّت سيارتها. ضحك حين قفز إلى خياله أنّ النساء لا يقدن السيارة، مع ذلك واصل خياله!». «يضحك عليٌّ، يهش بيده شيئاً أمام وجهه، يهش بقايا الضحكة التي علت وجهه، هو لا يعرف من النساء غير أمه وأخواته، لم ير بنات عمه منذ بلغن التاسعة من عمرهن. بنات خالاته يهربن من وجهه حين يرينه داخلاً إلى البيت، طالبته أمه أن يعلن عن وجوده حين يدخل إلى البيت. قالت له: عليك أن تتنحنح. أصبح في كل مرة يدخل فيها إلى البيت يتنحنح، أو يقول بصوت عالٍ: يا الله. حين تكون في البيت نساء، غير أمه وأخواته، يسارعن إلى حجابهن، أو إلى غرفة البنات، يهربن من وجوده. استمتع في ثانية بشعور الخوف الذي ينتاب بنات عمه وبنات خالاته حين يهربن من وجهه. استشعر الرجولة تتدفق في عروقه. صار يشحن حنجرته بتنحنح قوي. يريد أن يلقي أكبر قدر من الرعب في قلوبهنّ». في مقطع واحد كهذا، ينقل المرزوق تفاصيل العلاقات الأسريّة والاجتماعيّة في مجتمع تحكمه أعراف وقوانين راسية كرسوِّ الجبال.في هذه الرواية الصغيرة في حجمها، تحتشد صور وتفاصيل كثيفة، يريد المرزوق من خلالها أن يعالج وفق منظوره أسلوب الأب في البيت، من خلال العلاقة بين سعيد وزوجته صباح، ومنهج الزوجة مع زوجها، ودرجة الطاعة، و»حجم» الإذعان للرجل.وفي تسلسل آخر، ينقل المرزوق تفاصيل الزواج في المجتمع السعودي، في فترة تبدو «انتقاليّة» بين حالته التقليديّة القديمة، وحالة الحداثة الراهنة، من خلال تفاصيل زواج سعيد من صباح، كيف كانت تجهيزات العروس، وغيرها من التفاصيل الدقيقة، غير أنّك تحتار في إيراد تفاصيل دقيقة يعرفها المرزوق، حيث نقل لحظات ذهاب العروس لصالة الأفراح، وكل ما دار في الصالة، وخوف أمها من العين والسحر، وأورد كل الأغاني التي رقصت عليها النساء، ونقل حالات واختلاجات العروس منذ لحظات وضعت عليها الحناء وهي متسمرة لساعات، لكنها تحاول أن تخرج عن وضعها لتشارك في الرقص، فتجيبها أختها «التي تجر من خلفها ثلاثة أبناء على حد وصف الراوي»: انتظري، ينتظرك رقص، سترقصين بجسدك كلّه! ولعلها إشارة خبيثة من أختها لرقص مختلف تقتضيه أجواء مختلفة ومغايرة.تعتبر الرواية واحدة من أهم الأعمال الأدبيّة التي تنقل تفاصيل الحياة في عمق المجتمع السعودي، كما تعالج وفق منظور الراوي عادات وسلوكيات متعددة، بعضها وفق السياق تقتل بدل أن تمنح الحياة!