يعد الأستاذ مصطفى الرواشدة أول نقيب للمعلمين الأردنيين في التاريخ الحديث، حيث لم تعمر النقابة في أول مجلس لها، الذي كان يرأسه الأستاذ عبد خلف داودية، في العام 1954 أكثر من عدة أشهر ليتم حلها بعد ذلك، وتغيب عن الساحة حتى العام 2010 عندما اندلعت أكبر موجة احتجاجات في تاريخ الأردن أطلقها المعلمون للمطالبة بنقابتهم من جديد، حيث اختار نشطاء المعلمين الرواشدة رئيساً للجنتهم التحضيرية للنقابة، وليتصدر موجة من المواجهات مع عدة حكومات متعاقبة فشلت جميعها في كسر شوكة المعلمين رغم أنها فصلت الرواشدة وعدداً من أنشط زملائه من عملهم في المدارس الحكومية، لتعود الحكومة وتعترف به وبحراك المعلمين، وتختاره عضواً في لجنة الحوار الوطني التي شكلها الملك عبدالله الثاني للتجاوب مع مطالب الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح عام 2011. الرواشدة فاز بالانتخابات التي جرت قبل أسابيع، حاصداً نسباً قياسية من أصوات محافظته الكرك، ومن أصوات المجلس المركزي للنقابة. وخص «الشرق» بأول حوار صحفي شامل معه وهذا نصه: * أنتم الآن دون أية إمكانيات في النقابة، في مرحلة التأسيس من الصفر، كيف تتعاملون مع هذا الوضع؟ - نحن في مرحلة حرجة، وبجهد الجميع وتكافلهم يمكن تخطي العقبات، التي هي شيء طبيعي في مسار النقابة. نحن نعمل بموجب قانون وبنود عامة، ولا بد من وجود العديد من التشريعات الداخلية التي تنظم عمل النقابة فيما يخص علاقاتها بوزارة التربية والتعليم والمؤسسات الرسمية الأخرى، والعلاقة مع الفروع وحقوق الأعضاء وواجباتهم. وهذا كله غير موجود حتى الآن. ويتطلب كل ذلك جهداً استثنائياً من أصحاب الاختصاص والخبرة، وخصوصاً من النقابات الأخرى. * ما الفرق بين مرحلة الحراك ومرحلة تجسيد النقابة؟ ما هي الصعوبات المختلفة الآن؟ - نحن الآن في مرحلة تحقيق مكتسبات للأعضاء، وأيضاً تطبيق نهج وبرنامج كنا نطالب به. مثل كل الأعمال، لا بد من وجود العقبات وهي على الصعيد المادي والبشري. نحن نعمل الآن ونطلب من زملائنا أن يصبروا وأن يدعمونا من خلال خبراتهم ومقترحاتهم وأفكارهم حتى ننضج النقابة. هذا المجلس سيذهب، والنقابة باقية. المرحلة ليست بالسهلة، وينبغي أن ندفع جميعاً باتجاه أن تكون قوية. ومن الصعوبات التي نواجهها هي الموازنة بين البناء من ناحية، وبين ضرورة ظهور بعض المنجزات من ناحية أخرى. علينا أن نتذكر أن من يمسك بمفاتيح التشريع والأشياء المادية هي السلطة أو الحكومة، رغم أن النقابة هيئة مستقلة لها شخصية اعتبارية، وبالتالي إذا لم يكن هناك تعاون فقد يكون مستوى تحقيق النتائج لا يرقى إلى الطموحات. * لعلك تشير إلى الجدل الجاري حول سيطرة تيار سياسي على مجلس النقابة؟ - هناك حديث وإشاعات عن وجود صفقات وتحالفات، ومن هنا أقول أن كل التحالفات التي جرت، جرت تحت مظلة المعلم وتحت مسمى المعلم. وأقول لجميع المعلمين وأتحدى أن يكون هناك أية صفقة حول مسألة الترشيح للانتخابات، وهذه اللغة لن تخدمنا في المستقبل، وينبغي أن تؤمن كل الأطراف ببعضها البعض، ويجب أن تحترم كل القوى الدينية والقومية واليسارية، أن تحترم بعضها البعض. الإسلاميون ليس مثلما ذكر في الإعلام أنهم سيطروا على نقابة المعلمين، وهذا لم يكن دقيقاً. هناك في النقابة ألوان متعددة، من مستقلين وإسلاميين وغيرهم. ولا يمكن لأي منا في نقابة المعلمين من خلال الطرح والعمل في المستقبل أن ينطلق من منطلق حزبي على الإطلاق. وهناك أنموذج في العمل النقابي هو نقابة المعلمين، ونحن نريده أنموذجاً جامعاً وليس مفرقاً، وأن يأخذ السمة المهنية. * لكن هناك من يصر على وجود صفقة بينك وبين الحركة الإسلامية بخصوص الانتخابات؟ - يمكن أن يتم توجيه السؤال إلى الحركة الإسلامية أيضاً، لكن وفيما يخصني فإنني أحترم الحركة الإسلامية، وأعتبرها مكوناً من مكونات المجتمع الأردني وهم من أبناء هذا الشعب، ومنهم المهندسون والمعلمون وغيرهم. ولم يكن بيني وبينهم أبداً أية صفقة أو تفاهم. الحركة بادرت وأعلنت دعمها لي، وأنا أشكر لها تلك المبادرة، ولم يكن هناك أي حديث بيني وبينهم. وهم خاضوا الانتخابات وحصدوا ما حصدوا والصناديق أعطتهم ذلك، والآن ينبغي أن تفكر الأطراف الأخرى وتسأل نفسها عن سبب إخفاقها، ولا يجوز لنا أن نطالب بالديمقراطية ثم لا نقبل بإفرازاتها. الانتخابات كانت نزيهة وشفافة ولم يكن فيها أي تجاوز أو تزوير، وبالتالي ينبغي أن نقبل بنتائجها. ويمكن محاسبة مجلس النقابة على منجزاته بعد نهاية فترته. وينبغي أن نخرج من هذه اللغة التي لا تخدم النقابة. أنا ترشحت مستقلاً في محافظة الكرك، ولم أترشح بقوائم، ونزلت باسمي الشخصي وليس باسم حزب أو قائمة أو عشيرة، وبالتالي لا يوجد تحالف. والمعلم الأردني هو الذي دعمني، المعلم من كل الأطياف، وهي ثقة أعتز بها وهي تشكل أرقاً لي لأنها تحملني مسؤولية أن أكون عند مستوى آمالهم. أود أن أشير أيضاً هنا إلى وجود التحالفات في النقابات الأخرى، وبعضها بين يساريين وقوميين مع إسلاميين، فلماذا لا تطرح ويكتفون بطرح مسألة التحالف في نقابة المعلمين والتركيز عليها؟ علماً أنه ليس عيباً أن تجري مثل تلك التحالفات. ما جرى من اتهامات ينم عن عدم وعي ويدل على روح إقصاء لطرف من أطراف المجتمع. وأن أبقى أنتقد وألعن الظلام فهذه لغة بائسة وأصبحت من الماضي. والأيام القادمة ستثبت صحة كلامي من عدمها. * هناك خشية من تدخل الإسلاميين عبر النقابة في المناهج. - لم تطرح هذه المسائل لغاية الآن، وربما لن يحصل، إذا كان بخصوص المناهج فنحن نريد منهاجاً وطنياً أردنياً يرسخ القيم الإنسانية والقيم والحضارة الخاصة بأمتنا، ونريد أهدافا ومناهج وأطرا عريضة للجميع دون أن تكون فيها روح حزبية أو روح تعصب أو انحياز. ونحن كنقابة معلمين إذا كان لنا رأي في المستقبل سيكون لنا رأي بهذا الاتجاه فقط. وبعض زملائي يوافقونني الرأي في ذلك، حيث أن انجرار النقابة إلى الانحياز سيؤدي إلى وضع المعوقات في طريقها. * ألا تخشى من حصول نوع من تغول الإسلاميين على النقابة، خصوصاً بعد حصولهم على أغلبية مقاعد المجلس؟ - أنا مع أن يكون هناك فصل في هذه المسائل لأن الوطن للجميع، أنا لست مع التخوف الزائد، ولا أعتقد أن الإسلاميين سيتصرفون بهذه الطريقة في نقابة المعلمين. والفئات المسيسة في قطاع التعليم قليلة جداً، والمعلم يهمه أولاً وأخيراً تحقيق التنمية المهنية له، وتحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية، ويريد أن يتم تطوير بيئة التعلم، وأن يشعر بالذات، والشعور بالذات لا يتأتى بالقانون ولا نقابة ولكن بدعم المجتمع، وهو ما نحاول العمل عليه. أما التخوف من الإسلاميين فهي أيضاً ليست كما يطرح في الإعلام، والتخوف ليس في مكانه. * نقابة المعلمين تشكل أكبر نقابة من حيث عدد المنتسبين، أين ترى موقعها بين النقابات الأخرى؟ - نقابة المعلمين تعني فعلياً المجتمع الأردني بكامله، مليون و700 ألف طالب، و أكثر من 105 آلاف معلم، و25 ألف معلم في القطاع الخاص، ومثلهم في الخارج. وهذا يعني فعلياً كامل المجتمع الأردني، والنقابة بذلك هي صوت المجتمع الأردني. باقي النقابات تمثل شرائح من المجتمع، وتتعامل مع قضايا مادية ورقمية. عدد المنتسبين في نقابة المعلمين يفوق المنتسبين في باقي النقابات، وهم يتوزعون في كافة المدن والقرى والبلدات في الأردن. ونشاطها لا ينحصر في عمان العاصمة مثل معظم النقابات. من ميزات نقابتنا أيضاً هو أنها تتعاطى بمعظم الشؤون، سواء من ناحية البنية التحتية أو الوضع الصحي للطلبة، عدا عن الجانب التربوي. * مارس المعلمون أثناء مطالبتهم بالنقابة أشكال احتجاج مختلفة، من بينها الإضراب عن العمل. هناك تخوف من العديد من الأطراف من لجوء نقابة المعلمين في المستقبل لسلاح الإضراب. - لماذا تحمل نقابة المعلمين المسؤولية؟ لماذا لا تحمل الحكومات مسؤولية الإضراب؟ الحكومات كانت لا تعي واجبها تجاه المعلمين، وإذا ما أخلت بالتزاماتها تجاه النقابة، وإذا تراجعت عن وعودها فإن الإضراب هو حق محفوظ في الدستور والقوانين وكل التشريعات المحلية والعالمية، ولن نلجأ إلى الإضراب إلا في أسوأ الحالات. * كيف تجد تجاوب الجهات الرسمية مع نقابتكم حتى الآن؟ - حتى هذه اللحظة وبعد قيام النقابة، لا يوجد أية مبادرة رسمية تجاه النقابة من أي طرف رسمي، وهذا يمثل علامة سلبية. لم يتم أي تواصل مع النقابة. وحتى في موضوع أندية المعلمين التي نطالب أن تكون ملكاً للنقابة في المستقبل. والإنفاق عليها من قبل الحكومة ليس مبرراً، فلماذا لا تعطى للنقابة؟ * يقول البعض أن حراك المعلمين مدة عامين غير وجه المجتمع الأردني ونقل الحراك إلى مرحلة جديدة، كيف تعقب على ذلك؟ - حراك المعلمين سبق الربيع العربي، وسر نجاحه وتميزه هو أنه كان له أهداف ومطالب محددة وواضحة، وكان حراكاً وطنياً حقيقياً، ورغم مراهنة البعض على نهايته خلال شهر أو شهرين، ولكن وجود قيادة له حملت رؤية استراتيجية ساعد على استمراره. من إضراب المعلمين في الأردن .. وفي الإطار مصطفى الرواشدة (الشرق)