رقيق، حساس، عاطفي: قد يكون الشاعر كذلك فعلاً، فإن كان، فلأن مثل هذه الصفات -بعضها أو جميعها- يمكن لها أن تجتمع في الإنسان، كونه إنسانا، بغض النظر عن مهنته وهوايته وموهبته، أما أن تكون مثل هذه الصفات لصيقة بالشاعر، لأنه شاعر، ودالة عليه لأنه يمتلك هذه الموهبة، وشاهدة له بعلو قيمته، عن بقية خلق الله، فهذه كذبة، مثلها مثل كذبة الجن وشيطان الشاعر، الفرق أن “لكل شاعر شيطان”: كذبة من الشعراء على الناس، في حين أن “الشاعر ملك الإحساس” كذبة من الناس على الشعراء، صدق الشعراء كذبة الناس لأنها وافقت هواهم، وصدق الناس كذبة الشعراء لأنهم خافوا منها، والبرق نفسه ليس أسرع من الناس في تصديقهم لما يوافق هواهم أو يخيفهم!، احفظ هذا جيدا، لأنني سأرجع لموضوعي: ما يظنه الناس “إحساسا” عند الشاعر، هو في حقيقته “حساسية” في اللغة، عالية جدا، تمكنه من الوصول إلى بواتع أسرار الصوت في العبارة، يعرف وقع الكلمة على الكلمة وشدة جذب الحرف على الحرف، لا تفوته فائتة، ينجح دائما في صف حروف تشكل كلمات تشكل جملا بموسيقى دفينة، خافت رنينها : يُشمّ بالأذن شمّا!، قبل أن يدخله الشاعر من جديد في قالب موسيقي خارجي، منضبط ، وممسوك حسابيا، هذا ما يمنح معظم الناس إحساسا بتفوق الشاعر في إحساسه عليهم، خاصة وأن الرقة الذين يظنونها رقة، ليست في حقيقتها سوى: دقة، من الشاعر في انتقاء معانٍ مناسبة لموسيقى أحرفه، حد أن لا أحد من الناس يصدق ذلك عادة، يظنون أنه انتقى كلمات مناسبة لمعانيه، والحقيقة أن الشاعر لا يعرف معناه قبل أن يصله بالكلمات التي يعرفها لا يكاد يعرف سواها شيئا، والعاطفة، عطف تماما كما يفعل حرف الواو في كلمتين يدخل بينهما، يعطف الشاعر الصوت على الشكل والشكل على المعنى والمعنى على شكل آخر والشكل الآخر على معنى جديد، يعطف الخاص على العام والداخلي على الخارجي، والجواني على البراني، فيما يشبه عملية غزْل لا نهائية، الشاعر: شهوة لغوية، شهوة لغوية، شهوة لغوية.