يواصل أبو وسن حرفته التي بدأها هاويا قبل أكثر من أربعين عاماً في بغداد، على وقع ولعه وعشقه لنجوم السينما الهندية، متخصصاً في بيع الأغاني والأفلام الهندية، حباً بصديقه أميتاب، وفنانين آخرين. وعلى مدار سنوات عمله، تحولت مكتبة عادل حميد خلف العاني، حيث يبيع الأفلام الهندية المنتجة قديماً وحديثاً، وأشرطة أغاني نجوم الشاشة الهندية، إلى حاضنة للإرث الفني الهندي، في رحلة حب يومية تبدأ صباحاً، ولا تتوقف عند العودة إلى البيت. ويقول أبو وسن (65 عاماً) لوكالة فرانس برس “في العام 1978 طلبت من صديق هندي كان يعمل في العراق أن أذهب معه إالى بومباي للتعرف على الممثل أميتاب، وهناك التقيت به فعلاً، واجتمعت أيضاً بدار ماندار، وميثون شاكربورتي، وراجيش كنا، وأمجد خان، وأشا باريخ، وهيما ماليني. أعشقهم كلهم”. وأوضح: ما دفعني لتلك الزيارة هو الفيلم الهندي “ضربة القدر”، الذي عرض في بغداد منتصف الستينيات” ، ويتابع “تأثرت به كثيراً، وبقي عالقاً في ذهني لسنوات، وفي أثناء زيارتي هذه، جلبت معي عشرات الأشرطة والكاسيتات. وهكذا بدأت رحلتي مع بيع الأشرطة الهندية في متجر صغير بشارع الرشيد”. وتزدحم هذه المكتبة الصغيرة والأنيقة التي يشعر المرء فيها بأنه في أحد استوديوهات السينما الهندية، بصور تعود إلى سنوات مختلفة يظهر فيها أبو وسن مع ممثلين مشهورين، أمثال بران، وأمروش بوري، اللذين يعرفان في العراق بأدوارهما السينمائية الشريرة. وتستقر في واجهة المكتبة التي تتخذ من مدخل سينما ومسرح النجاح مكاناً لها، وتعتبر الأقدم من نوعها في بغداد، أحدث صورة له وللممثل الشهير أميتاب الذي يقف أمام منزله، وإلى جانبه أبو وسن، وتعود إلى عام 2011. ويقول أبو وسن “أخذت أتردد على الهند كل عام، أزور أصدقائي الفنانين، وأتبضع أشرطة كاسيتات جديدة، إلى أن أصبح لدي موروث فني أعتز به كاعتزازي بأبنائي (...) يضم ما يقارب خمسة ملايين قرص وشريط كاسيت من أفلام وأغان”. والطريف أن إحدى بنات أبو وسن، الأب لخمسة أولاد، ولدت في الهند مطلع الثمانينات، وقد أسماها “هندة”. وكانت بعض صالات السينما في بغداد تتخصص بعرض الأفلام الهندية فقط، منها سينما الرافدين القريبة من منطقة السنك وسط بغداد، وسينما النصر الصيفي، وسينما الخيام، وكلها اندثرت باستثناء الأخيرة، وتعرض أفلاماً بشكل متقطع. ويقول أبو وسن “كان ولعي الشديد بهذه الأفلام يرغمني أن أدخل صالة العرض مرتين في اليوم، وكنت أخرج في ساعة متأخرة لأذهب إلى بيتي مساء بعد انتهاء الفترة الأخيرة للعرض اليومي، حتى أصبحت صديقاً للحراس الليليين، الذين ما زلت أتذكر سراويلهم القصيرة”، في إشارة إلى الزي القديم للحراس الليليين في بغداد. وعن سبب تعلقه بالأفلام الهندية، يقول “لم أكن وحدي مولعاً، بل كل الشباب آنذاك، فالقصص في هذه الأفلام تتناول البؤس والفقر والحرمان، وهي قصص إنسانية مؤثرة تلامس ما كنا نعانيه في تلك الفترة، وكنا نتفاعل معها، رغم أن بعضها غير مترجم”. ويضيف أبو وسن، وهو يقوم بتشغيل أحد الأفلام المقربة إلى نفسه، وهو فيلم “شرابي”، لأميتاب “كنت أصطحب معي جهاز تسجيل وأقوم بتسجيل أغاني الأفلام من شاشة العرض الكبيرة، وبعد أن نخرج نستمتع بسماعها لمرات ومرات”. واللافت أن مكتبة أبي وسن صارت ملتقى لمحبي الأفلام الهندية وعشاقها. فأبو محمد رجل ستيني يبيع السجائر متجولاً، لكنه يمضي جل وقته قرب المكتبة، حيث يأخذ مكانه هناك لبيع السجائر لزبائنه الذين يترددون على صالة سينما ومسرح النجاح في وسط بغداد. ويقول أبو محمد، وهو يحمل صندوقاً بواسطة حزام من القماش يلتف حول رقبته “كنت أتردد يومياً على صالات العرض لمشاهدة الأفلام الهندية وأنا في عمر 14 سنة، وخاصة صالات روكسي، والخيام، والنصر الصيفي، وهي متخصصة تقريباً بعرض الأفلام الهندية”. ويضيف “كنا نبكي في تلك الأفلام وهي تعرض قصصاً مأسوية، وحالات إنسانية، هكذا كنا نتفاعل مع الأفلام وقصصها”. ويقول أبو وسن “زبائني الآن هم من محبي الفن السينمائي الهندي، وهم في أعمار متقدمة، وهناك عدد قليل من الشباب يقتني مثل هذه الأشرطة والأفلام الهندية، ومعظمها مدبلجة”. وحول الأفلام الأكثر رواجاً، يشير إلى أن هناك “أفلاماً قديمة تشكل مبيعاتي منها نسبة كبيرة، بينها “الشعلة”، و”زنجير”، و”ضربة القدر”، و”الحارس الشخصي”، وبطله أميتاب، وفيلم “الحمال”، وكل أفلام الممثل شاروخ”. ويراوح سعر القرص الواحد للأفلام بين دولارين وثمانية دولارات، علماً أن الأفلام القديمة النادرة تكون أسعارها مرتفعة. ولا يكتفي أبو وسن بملاحقة أصدقائه الفنانين في الهند، بل إنه يتتبعهم إلى خارجها. ففي صورة صغيرة، يظهر أبو وسن أمام نصب قوس النصر في باريس التي زارها أثناء تصوير الفنان شامي كابور فيلم “شامي كابور في باريس”. كذلك يحتفظ في هاتفه النقال بأرقام هواتف أصدقائه الفنانين، وخصوصاً أميتاب الذي يتصل به كل ثلاثة أشهر. أ ف ب | بغداد