تفاعل القرَّاء في تعليقاتهم على موقع الصحيفة مع مقالتي المعنونة ب: «مشكلات الوطن وأزمات المواطنين بين يدي أبي متعب حفظه الله تعالى» في العدد 119 من صحيفة «الشرق»؛ لملامستها هموم الوطن وهمومهم، ولكن تعليق أخي يحيى السميري المشير لعدم تناول مقالتي ما يتعلَّق بشريحة عزيزة على الوطن وعلى قائد الوطن وهم ذوو الاحتياجات الخاصَّة، شدَّني فرددتُ عليه في حينه واعداً بتخصيص مقالة بفئته العزيزة على نفسي، وها هي المقالة الموعودة. فللإسلام وللحضارة الإسلاميَّة نظرة خاصَّة في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصَّة، تبدأ من التخفيف عليهم في بعض الالتزامات الشرعيَّة، كما في قوله تعالى في سورة النور: لََيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ... الآية (61)، وتنتهي ببثِّ الأمل في نفوسهم ومراعاة حقوقهم الجسمانيَّة والنفسيَّة، فعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أمر ليهوديٍّ من ذوي الاحتياجات الخاصَّة من بيت مال المسلمين، وخصَّص الوليدُ بن عبدالملك رواتب دوريَّة لذوي الاحتياجات الخاصَّة، وعيَّن خادماً لكلِّ مقعد وكسيح وضرير، وأنشأ مستشفى لمعالجة المجذومين، فيما فرنسا تخلَّصت منهم عام 1313م بإحراقهم، وأمر عمرُ بن عبدالعزيز بإحصاء ذوي الاحتياجات الخاصَّة ومن ثمَّ خصَّص مُرافقاً لكلِّ كفيف وخادماً لكلِّ مقعد، والإسلام مضيءٌ في توجيهاته والحضارة الإسلاميَّة مضيئة في تاريخها في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصَّة بأكثر من إشاراتي تلك. تتمايز الدول حضاريّاً فيما بينها في حماية حقوق الشرائح والفئات الضعيفة في قدراتها الدفاعيَّة عن حقوقها، وفي مهاراتها الحقوقيَّة للمطالبة فيها، وتأتي المرأة والطفل وذوو الاحتياجات الخاصَّة في أوليَّاتها، فأولئك إذا لم تقف مجتمعاتهم معهم وقوف وعيٍ بحقوقهم تقديماً ومطالبة ودفاعاً، فإنَّ الوطن يكون مسؤولاً عنها، وتتجلَّى مسؤوليَّته بأن يكون أولئك في طلائع اهتمامات مسؤوليه الذين أسند إليهم قائدُ الوطن مسؤوليَّاتهم ومنها المتَّصل بأولئك، فإن قصَّر بعضهم في بعض ما أسند إليهم حُقَّ لأولئك التظلُّم لدى الأب القائد ومناداته للدفاع عن حقوقهم وتأكيدها. فمن حقِّ المواطنِ على وطنه حدٌّ أدنى من خيراته ليعيش به وإن لم يعمل، وبالمقابل من حقِّ الوطن على مواطنيه العمل على تنميته والحفاظ على خيراته وثرواته وتوجيهها التوجيه الأفضل، وتتأكَّد مقولتي في شقِّها الأول مع ذوي الاحتياجات الخاصَّة، فماذا قدَّم لهم الوطن؟!! وإذْ لا يشكُّ في أنَّ الوطن قدَّم لهم من خيراته، فهل سُدِّدت احتياجاتُهم كلُّها؟ وهل شمل ذلك الشريحة كلها؟! فالمؤكَّد أنَّ ذوي الاحتياجات الخاصَّة سيجيبون على تساؤلاتي هذه بسلبيَّة، وأنَّ معظمهم لم ينل من خيرات وطنهم شيئاً لحدِّ الآن، وأنَّ من نال شيئاً منها فهو غير كاف؛ معلِّلين ذلك بعدم قدرة أولئك في الوصول لأصحاب القرار أو على إقناعهم باحتياجاتهم أو بحقوقهم من خيرات الوطن؟ فهل إجاباتهم السلبيَّة صحيحة؟! لن أخوض في البيانات والأرقام إثباتاً لصحَّة تساؤلاتي وإجابات ذوي الاحتياجات الخاصَّة المتوقَّعة، فالموضوع أوضح من تأكيده ببيانات وأرقام، فما تطرحه صحافتنا المحليَّة، وما يسمعه كلٌّ منَّا في مجتمعه الصغير كافٍ لتأكيده وإيضاحه؛ ولذلك سأنتقل بموضوعي هذا إلى الاقتراحات لأضعها أمام الوطن وقياداته العليا، لعلَّها أن تلامس، ونظرات المسؤوليَّة لدى من أسند إليهم رعاية هذه الفئة من المواطنين والمواطنات، وذلك باقتراح الآتي: – إنجاز إحصاءات دوريِّة من قِبل مصلحة الإحصاءات العامَّة لذوي الاحتياجات الخاصَّة، وتصنيفهم بحسب احتياجاتهم، وتزويد الجهات الوطنيَّة بنتائجها ليس للاطِّلاع ولكن لقيام كلٍّ بدوره ومسؤوليَّاته. – الإشارة ببطاقات الأحوال المدنيَّة لذوي الاحتياجات الخاصَّة، إلى احتياجاتهم ودرجاتها مصنَّفة لثلاث مستويات يرتبط بها مقدارُ الإعانة ومستوى الخدمة العامَّة لكلٍّ منهم. – توفير الرعاية الطبيَّة والعلاج لمن قد يتحسَّن وضعه أو تخفُّ إعاقته داخل الوطن وخارجه، في المنشآت الحكوميَّة والأهليَّة واعتباره من المنشآت الأهليَّة خدمة وطنيَّة وبديلاً عن إسقاط الضرائب عنها. – تقديم التعليم والتدريب المهني والتقني مجاناً لمن قد يسهم ذلك في إعدادهم للعمل فيما تعلَّموه وتدرَّبوا عليه. – تقديم إعانات دوريَّة أو شهريَّة لذوي الاحتياجات الخاصَّة بحسب درجات احتياجاتهم المشار إليها ببطاقات أحوالهم المدنيَّة. – تقديم المنح السكنيَّة وتعجيل القروض العقاريَّة لذوي الاحتياجات الخاصَّة. – تخصيص مكاتب باسم خدمات ذوي الاحتياجات الخاصَّة في كلِّ وزارة أو إدارة عامَّة أو إدارة محلِّيَّة لتتولَّى استقبالهم ومعرفة احتياجاتهم من جهاتهم الحكوميَّة والأهليَّة، لمساعدتهم للوصول للمسؤول أو شرح احتياجاتهم له ولغيره فيها، واستكمال الإجراءات في ذلك. – توظيف القادرين منهم على العمل بوظائف حكوميَّة وبالقطاع الخاص، وتسهيل إجراءات ذلك، وتقديمهم على سواهم من الباحثين عن عمل، والقيام بإجراءات ذلك عن طريق مكاتب خدمات ذوي الاحتياجات الخاصَّة. – ترتيب زواجاتهم من ذوات الاحتياجات الخاصَّة أو من غيرهنَّ، وتقديم هدايا لأعراسهم وقروض ومعونات من الوطن ومن جمعيَّاته الخيريَّة لتيسير الزواج. – تسهيل تصنيع سياراتهم أو استيرادها وإعانتهم على تكاليفها، وجلب التقنيات والتكنولوجيا الميسِّرة لهم العمل أو شؤونهم الخاصَّة في الحياة، وإنشاء هيئة وطنيَّة تبحث عن ذلك وتستورده وتمكِّنهم من الحصول عليه. – توعية المسؤولين في وزارات الدولة وإداراتها ذات العلاقة والاتِّصال باحتياجات هذه الفئة لتيسير الإجراءات لخدمتهم حقّاً وطنيّاً لهم وليس منَّة أو شفقة. – إدراج ذوي الاحتياجات الخاصَّة ببرنامج حافز كإعانةٍ وأولويَّة في البحث لهم عن أعمال في مدنهم وقراهم دون اعتبار لشرط السنِّ. – إعداد المواقف والمداخل المناسبة لهم في القطاعين العام والخاص. – إقناع المحامين بتولي قضاياهم بتكاليف مخفَّضة أو مجانيَّة لعدد محدَّد لكلِّ مكتب محاماة كخدمة وطنيَّة منهم لهم. – ستنظِّم جمعيَّة عنيزة للخدمات الإنسانيَّة مؤتمر خبراء الإعاقة والتأهيل الأول الشهر المقبل، فلعلَّ توصياته ومقترحاتي أعلاه تلامس هموم ذوي الاحتياجات الخاصَّة.