بإمكانك أن تبيع سيارتك أو بيتك أو مزرعتك أو أي سلعة تمتلكها، ولكن لا يوجد أحد يستطيع أن يبيع وطنه أو بلده، فالأوطان لا تباع ولا تشترى! الوطن ليس هو فقط مكان على الأرض له حدود جغرافية و حسب، بل هو حالة وجدانية، تكبر مع الإنسان، جراء عوامل نفسية فطرها الله في كل البشر، على اختلافهم واختلاف أوطانهم و أديانهم و أعراقهم. ولطالما تساءلت عن الأوطان، وعن الأسباب التي جعلت الشعوب تختار أوطانها التي تعيش فيها، بالرغم من أن بعض البلدان قاحلة حارة فقيرة! والعيش فيها فيه معاناة قاسية! فما الذي جعل شعوبها تتوارث العيش فيها منذ القدم؟ في زمن كان لا وجود فيه لحدود سياسية تحد الشعوب، وكان بإمكانهم أن يهاجروا ويغيروا أماكن عيشهم بكل سهولة، دون جوازات وتأشيرات وتعقيدات! فيأتيني الجواب مباشرة، بأن عشق الوطن الفطري هو الذي يجعل الشعوب تكابد كل الصعاب والمتاعب في سبيل ذلك العشق ولا تختار عنه بديلاً. و كما أنَّ الحب الفطري للوطن، خارج عن إرادة الأفراد واختيارهم، فتنوع الأفراد واختلافهم، ضمن إطار الوطن، هو الآخر خارج عن الإرادة الفردية، فالأوطان قد تضم بين حناياها فسيفساء من الأعراق والأديان والمذاهب المختلفة لأفرادها، يجتمعون سوياً ضمن حدودها، وعلى أراضيها، وتحت سمائها، مشكلين صورة جماعية للوطن، لا تكتمل إلا باكتمال جميع شرائح المواطنين في تلك اللقطة!من يعتقد أنه باستطاعته أن يشتري وطن من فرد فهو واهم! فكيف لفرد أن يبيع ما لا يملك؟ ومن يعتقد أنه بمقدوره بيع وطنه فهو مخادع! لأنه يعلم أنَّ الأوطان لا تباع ولا تشترى فهي كالهواء يتنفسه الكل! الوطن كالصورة الفوتوغرافية العائلية التي لا تكتمل إلا بوجود جميع أفراد العائلة، وصورة وطني لا تكتمل إلا بوجود كل أفراده في ذات الصورة، دون استثناء أحد، فكلنا يربطنا رباط الوطن الوثيق، على امتداده الواسع الرحب، من جنوبه لشماله ومن شرقه لغربه مروراً بوسطه، هذا هو وطننا الغالي العزيز.