قال أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور خالد الدخيل، إن »وثيقة الأزهر في الحقوق والحريات» تؤكد مفهوم الدولة الوطنية الدستورية، كما توضح حق الاختلاف والتعددية وتداول السلطة والاعتراف بحق الحرية للجميع. وأضاف أن تلك هي الرؤية السياسية، التي أفرزتها تطورات أحداث الربيع العربي، الذي أدخل الشعوب العربية كطرف مباشر برأيها وحقوقها في عملية صنع القرار، من خلال تأسيسها للدولة المدنية، بما فيها التحول الفكري في موقف الأزهر، كممثل رئيس للفكر الديني، الذي أفضى إلى وضع حد لصلاحية ولاية المتغلب. جاء ذلك خلال محاضرة قدمها الدخيل، أمس الأول، بمنتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف، بعنوان «الحريات وحقوق الإنسان.. قراءة في وثيقة الأزهر»، أدارها زكي البحارنة، وسط حضور يتقدمهم عدد من المفكرين والكتاب والأدباء والمثقفين. وذكر الدخيل أن الجامع الأزهر أصدر وثيقتين، وسط الجدل السياسي الذي احتدم هناك حول طبيعة الدولة التي يجب أن تقوم في مصر بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك. وقال إن الثورات الشعبية العربية هي ثورة على الاستبداد، ولا يمكن أن تكون كذلك من دون أن تكون أيضاً ثورة على الفكر السياسي الذي كان الاستبداد يستظل بظله، لافتاً إلى أن وثيقة الأزهر الأخيرة، هي أوضح تعبير عما يمكن أن يكون بداية لهذه الثورة الفكرية، لأنها تمثل استجابة الفكر الديني للتحول السياسي الذي اجترحته ثورات الربيع العربي، التي جمعت أبرز مثقفي مصر على اختلاف انتماءاتهم الفكرية، مع عدد من كبار العلماء والمفكرين في الأزهر، لتكون وثيقة استرشادية عند كتابة الدستور بعد إتمام الانتخابات البرلمانية. واستعرض الدخيل بنود الوثيقة، التي شملت 11 بنداً، أجمع عليها الموقعون، موضحاً أن من أهم هذه البنود «تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة»، و»اعتماد النظام الديموقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر» كآلية لتداول السلطة، و»الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي». وقال: مع أن الوثيقة أكدت أن سلطة التشريع في الدولة الجديدة يجب أن تتوافق مع «المفهوم الإسلامي الصحيح»، وهذه جملة واسعة في معناها، إلا أن تبني الوثيقة بكليتها يعتبر تحولاً فكرياً كبيراً من الأزهر، كمؤسسة دينية، ومن «الإخوان المسلمين» الذين كانوا يرفضون فكرة الديموقراطية، ويدعون إلى دولة الخلافة. واعتبر الدخيل الوثيقة بأنها أول وثيقة سياسية صادرة عن واحدة من أكبر المؤسسات الدينية في العالم العربي، لا تعترف بمشروعية الثورة، التي أرغمت الرئيس على التنحي، مشيراً إلى أنها تؤسس فكرياً لانتهاء صلاحية نظرية ولاية المتغلب، وأنها استنفدت أغراضها، وتجاوزها الزمن، ولم تعد مقبولة لا شرعياً ولا سياسياً في هذا العصر. وأوضح أن الأزهر ذهب أبعد من ذلك لتأكيد تخليه عن هذه النظرية عندما أصدر وثيقة أخرى اتفقت على مواثيقها الستة المجموعة نفسها التي توافقت على الوثيقة الأولى.