يرى البروفيسور فؤاد أسعد كتانة، الباحث في الرياضيات، أنه يفضل أن يلمس اهتماماً أكبر في البحوث التطبيقية التي تمس حياة الإنسان، بحيث يتم التركيز على بحوث المياه والطاقة والبيئة والصحة والزراعة، وقال إنه معجب بالعالم بول هالموس، وأكد أن للبيئة العلمية السليمة دوراً مهماً في تنمية وصقل مهارات البحث العلمي والإبداع فيه، وأن هذا الأمر يكون جلياً عند الأفراد الذين حباهم الله العقل السليم والذكاء. تمت هذه المقابلة مع البروفيسور كتانة كونه أحد المتحدثين الرئيسين في المؤتمر السعودي الخامس للعلوم، الذي ترعاه «الشرق» إعلامياً، ويعقد في الفترة 24 26 جمادى الأولى 1433ه في رحاب جامعة «أم القرى»، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله. * نود أن تعطينا نبذة عنك، وعن دورك كعالم وكباحث. أنا منغمس في بحوث التحليل الدالي، ونظرية المؤثرات، وتحليل المصفوفات، ونظرية المتباينات. ونشرت نتائج هذه البحوث في أكثر من مائة بحث في مجلات عالمية مرموقة، وبعض هذه البحوث مشتركة مع باحثين مميزين على المستوى العالمي. وبالإضافة إلى كوني باحثاً، فإنني أحظى بعضوية هيئات تحرير عدد كبير من المجلات العالمية في الرياضيات. كما أشرفت على أكثر من أربعين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراة، وكونت فريق بحث متميزاً في تخصصي، وتمت تسمية بعض النظريات والمتباينات باسمي من قِبَل الباحثين الذين أشاروا إلى بحوثي واستخدموها، وكان ذلك في عدة مجالات، مثل جبريات المؤثرات، والفيزياء الرياضية، ونظرية التشفير، والاقتصاد، والإحصاء، والفنون، وغيرها. وحصلت بناء على ذلك على جوائز محلية وعالمية. * ما هي بعض المنعطفات التي تعتبرها معلماً في حياتك كعالم؟ أول منعطف في مسيرتي العلمية برز عندما كنت طالباً في المرحلة الثانوية، وكنت وقتها متفوقاً لدرجة كبيرة في المواد الأدبية والاجتماعية، ومتوسطاً في الرياضيات، إلى أن حدث موقف محرج لي دفعني إلى نفض الغبار المتراكم على أدائي في الرياضيات، وأخذ بيدي حينها الأستاذ الفاضل فتح الله زيدان، أطال الله في عمره، وبعدها بدأ مشواري في هذه الغابة الجميلة. أما المنعطف الثاني فكان في الجامعة الأردنية، التي كان لأساتذة قسم الرياضيات فيها الفضل في توجيهي، وغرس مفهوم إكمال دراستي العليا، ووصولي إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وهنا لابد أن أستذكر بالخير الدكتور عبدالله المعجل، رحمه الله، الذي أشرف على رسالتي للماجستير، وأحاطني بالرعاية والاهتمام، وكان له فضل كبير عليّ. أما أهم المنعطفات في مسيرتي البحثية، فقد حصل عام 1983، وكنت حينها في جامعة الإمارات العربية المتحدة، عندما تلقيت رسالة من العالم الهندي راجندرا بهايتا من معهد الإحصاء الهندي يطلب مني تزويده ببعض بحوثي في نظرية المؤثرات، وعلى إثر ذلك التواصل بدأ مشوار تعاون عملي كبير بيننا أنتج سبعة عشر بحثاً مميزاً، وزيارات علمية متبادلة لغاية الآن. * ما أهم المجالات البحثية التي توليها اهتمامك في الوقت الحاضر؟ أبحث حالياً في مسائل مهمة في نظرية المؤثرات وتحليل المصفوفات، متعلقة بمتباينات خاصة بنصف القطر العددي، والمعايير والقيم المنفردة، وغيرها من الاقترانات. هذه البحوث لها تطبيقات مفيدة في مجالات مختلفة من الرياضيات والعلوم الطبيعية، وغيرها. * بعد هذه الفترة الطويلة من العطاء والعمل في البحث العلمي، أي الاتجاهات تفضل أن تراها كأولويات في البحث العلمي؟ على الرغم من أنني من العاملين في البحث العلمي الأساسي في الرياضيات، إلا أنني أفضل أن ألمس اهتماماً أكبر في البحوث التطبيقية التي تمس حياة الإنسان، بحيث يتم التركيز على بحوث المياه والطاقة والبيئة والصحة والزراعة، والتغير المناخي. ويجب ألا يكون هذا على حساب البحث العلمي في العلوم الأساسية، مثل الرياضيات والفيزياء النظرية، وغيرها، لأن هذه البحوث هي المحفز الحقيقي والأساسي لبحوث العلوم التطبيقية والمخبرية. * هل يعتبر فهم جوانب الفكر الإنساني المختلفة ضرورة لعلماء العلوم الطبيعية، أم إنها ترف؟ نعم، يعتبر فهم جوانب الفكر الإنساني المختلفة ضرورة لعلماء الطبيعة، وليس ترفاً، ويجب أن تتكامل صورة العالم بجوانبها المختلفة، ولا يمكن لعالم الطبيعة أن يؤثر في البشرية إذا لم يكن لديه فكر إنساني عميق في فلسفة الكون وقضايا الإنسانية بشكل عام. * على الرغم من أن الإبداع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلم، لماذا لا يقدر المجتمع العلم كتقديره للهندسة، أو الطب؟ هذا على الرغم من أن علوم الهندسة والطب ما هي إلا تطبيقات لنتائج العلوم الطبيعية، والسبب أنهما يؤثران مباشرة في حياة الإنسان، وفي المردود المالي العالي للعاملين فيهما. وفي الدول المتقدمة يتم تكوين فرق بحثية متكاملة تضم الطبيب والمهندس وعالم الطبيعة، وكلٌّ يؤدي دوره ويحصل على التقدير الذي يستحقه. * أين في رأيك ينبغي التركيز في البلدان النامية (العالم الثالث)؟ هل في حل المشكلات الملحة، أم الانغماس في مجال البحوث الأساسية؟ أرى أن يركز العلماء في البلدان النامية (العالم الثالث) على حل المشكلات الملحة المتعلقة بتنمية المجتمع عن طريق البحث العلمي التطبيقي، وأن يقوموا بدورهم أيضاً في تعزيز مفهوم البحث العلمي الأساسي، لما لذلك من أثر مهم في تطوير التعليم العالي، الذي يصب في خدمة المجتمع في نهاية المطاف. * حبذا لو تذكر لنا بعض الاكتشافات في مجالاتك البحثية، التي تمت من قبل بعض العلماء خلال السنوات العشرين الماضية؟ في مجال الرياضيات، بشكل عام، فإن إثبات أندرو ويلز لنظرية فيرما الأخيرة في نظرية الأعداد عام 1994، وإثبات غريغوري بيرمان لمخمنة بونكاريه في التبولوجيا عام 2002، يعدان أهم الإنجازات المؤثرة التي حصلت خلال السنوات العشرين الماضية، أما في مجالي البحثي في تحليل المصفوفات ونظرية المؤثرات، فإن أهم إنجاز حصل في تلك الفترة هو حل مسألة هورن حول القيم الذاتية لمجموع المصفوفات الهرميتية من قبل ألكساندر كلايشكو عام 1998، وألن كنوتسن وتيرنس تاو عام 1999.