يُروى أنه في إحدى المزارع التي تغذي المدينة الحالمة، وتنتج لها ما لذ وطاب من الفواكه والخضراوات، كانت المزرعة مقسمة المهام، تقسيمًا دقيقًا، حتى يكون للعمل احترافية تجعل الإنتاج ذا جودة عالية، ووفرة متنوعة.كان هناك من يزرع، ومن يغرس، ومن يحرث، ومن يحصد، ومن يهتم بالنظافة، وإلى آخر المهام.وكان لكل مهمة مسؤول، وتحت كل مسؤول عامل، وكان أهم عامل بين العمال من يسقي المزرعة بالماء، وهو نفسه أهم عامل لدى المزارع في المدن الأخرى القريبة منها والبعيدة، وكلما اهتمت المدينة بهذا العامل، كلما كانت تنعم بالتقدم والازدهار. وفي هذه المزرعة كان عامل السقاية مخلصًا، تعتمد عليه المزرعة بشكل ٍكامل في إحياء المزرعة، وانتعاش الحياة فيها. كان يعامل كبقية العمال، مع قليل من الاهتمام، مما جعله يسخر احترافيته من أجل إنتاجٍ طال التفاخر به.وذات نهار، بل وفي وضح النهار، هناك من أمر ببخس هذا العامل حقه، وتم قص ثلث أجره، على الرغم أن بقية العمال يأخذون حقوقهم كاملة! بل وهناك من يأخذ أكثر من حقه، إلا أن هذا العامل المخلص استمر في أداء عمله على أكمل وجه.طال الظلم، ومع أول مطالبة لهذا البائس بحقوقه، بدأ المسؤول الأول عنه باحتقار مطالبه، والانتقاص منها، ولم يكتف هذا المسؤول أبدًا بالرضا لما حصل لعامله، بل هيج العمال الآخرين عليه! ووصل التهييج للمجتمع! فأصبح لا يجلس في مجالسهم، ولا يأكل من أكلهم، ولا يمشي في طرقاتهم! اتهم بالتقصير في سقاية المزرعة، على الرغم من أن كل وسائل السقاية قديمة جداً، ولكن المسؤول عنه استطاع أن يلفت النظر عن وسائله لعامله. ومع توالي المسؤولين عنه في المنصب لاتزال الحقوق «في طي النسيان».تعالت الصرخات في الإعلام والمجتمع، ما بين حقوق مهدرة، وحقوق «مأخوذة لا تُستحق»، ووصل الأمر لداوود الشريان، فاستضاف المسؤول الحالي عنه، وصرَّح بأنه المحامي له، وفي نفس اللحظة لامه لأنه رضي بلقمة العيش المبخوسة! وكان لزامًا على هذا العامل ألا يقبل بأقل من حقوقه حتى ولو مات جوعًا! وما أسرع المحامي «يتخلّى» عن قضيته في لمح البصر!وبقي العامل في عمله، يكد ويشقى ويخلص وينتج إلى أجل مسمى، وفصول قصته ضائعة لم تكتمل بعد، ولكنني حاولت أن ألملم شتات بعضها هنا، علني أجد من يبحث معي عن فصول القصة «المثيرة الغائبة». ولك الله أيها العامل، ولك الله أيتها المزرعة.