أوضح المفكر المصري الدكتور حسن حنفي أن هناك مصدران لمستقبل الثقافة، الأول يأتي من الماضي، والثاني من المستقبل الغربي، في لقاء نظمته هيئة الكتاب الثلاثاء الماضي، حول كتابه “التراث والتجديد.. ومسيرة خلال نصف قرن”. وقال حنفي خلال اللقاء الذي أداره الدكتور أنور مغيث: “نحن نعلم أن المدة طالت بيننا وبين الغرب، لذلك فأنا أريد أن أحول الإحساس بالدونية أمام الآخر إلى طاقة منتجة، فأنا كمصري وعربي أستطيع أن أكون مناظراً”، وليس دارساً ومؤلفاً ومترجماً، مشيراً إلى أنه يجب عدم التعامل مع النص، “بل إنه لابد من أن نحول الواقع إلى نص، وأن نغير اللغة، ونغير مستوى التحليل، ونعتمد على التجارب الحية”. وحول مستقبل الثقافة في مصر، رأى أن الرواد أرادوا جعل الثقافة في مصر أنموذجاً للثقافة الغربية، “ولكنني أرى أنه لا يجب أن ننبهر مثلاً بأحمد لطفي السيد، أو طه حسين، أو غيرهم”، رغم مكانتهم العالية، لأنهم بطريقة ما، هم السبب في الحركة الثقافية السلفية، لأنه لم يكن من بينهم من قدم مشروعاً للثقافة يجمع بين القديم والجديد. وعن كتابه، قال حنفي: “وجدت أنني كمثقف أعيش في سجن ذي أضلاع ثلاث اسمه حصار الزمن ماض ولى، لكنه ما زال يعيش في داخلي، ومستقبل أقفز إليه دون أن أتمثل شروطه (ليبرالية ديمقراطية اشتراكية تعددية)، وحاضر يتفتت على الموروث الثقافي، ودون أن أعرف في أي لحظة من التاريخ أعيش، لا أستطيع أن أفكر، هل أنا في عصر التنوير، أم الإصلاح، أم الثورة المضادة، أم الإحياء الديني؟”، موضحاً أن مشروع التراث والتجديد ليفك حصار الزمن، نشأ من هنا، ومتسائلاً: “كيف أعيد بناء القديم الماضي بحيث يكون عاملاً إيجابياً ليساهم في تطوير حضاري؟” فالأحكام الشرعية يمكن أن تتغير بتغير الظروف والأحوال، فعند استصدار حكم مثلاً يكون الأساس هو القرآن الكريم، ثم السنة النبوية، ثم الإجماع والقياس والاجتهاد، فالأحكام تتغير طبقاً للزمان والمكان. وتطرق حنفي في اللقاء إلى الوضع الذي تعيشه مصر حالياً، مؤكداً أن مصر لن تستقر إلا بعد أن ينتهي الجدل الاجتماعي فيها، موضحاً أنها تعيش الآن “حالة صراع”، ولا أحد يقوم بالدفاع عن ثورة 25 يناير، التي قادها الشباب، فكل طرف يلعب لصالحه، وأصبح المصريون يتكلمون ضد بعضهم البعض أكثر مما يتكلمون ضد “إسرائيل”. وقال إن ما يحدث في مصر حالياً، من سمات المجتمع المتخلف، ولكن، مع افتراض، أن هذا الصدام، بعد الثورة، هو المتوقع، كما حدث بعد الثورة الفرنسية، لعشرين عاماً، فإن الخطورة تكمن في العنف، الذي سيدفع الجيش للتدخل بانقلاب لحماية الأمن القومي. وأشار حنفي إلى أن في يناير 2011 حدثت هزة عنيفة في تاريخ مصر، تعادل ثورة 1919 (قادها سعد زغلول). وقال: “وإن كنا لم نساهم في إيجاد الفكر الثوري قبل الثورة، إلا أنه يجب علينا أن نحميها بعد حدوثها”، موضحاً أن أناس آخرون استغلوها بعد أن قادها الشباب، وحصدت نتائجها الحركة الإسلامية والفلول، مؤكداً أن الثورة المصرية أسقطت النظام، ولكن لم تستطع القضاء عليه من النفس والعقل والروح، “وهذا جعله يعود إلينا في أشكال أخرى”، مشدداً على أن الوعي الثقافي في حاجة إلى إعادة نظر. من جانبه، وصف الدكتور أنور مغيث الكتاب بأنه غريب ومحير، ويحمل رؤية فلسفية مختلفة، ويعتبر محاولة لاستشراف مستقبل الثقافة في هذه الأمة، فالتجديد أمر ملح، وهو ضرورة حضارية، ولكن يحتاج إلى أساس ينبني عليه، وهذا الأساس هو التراث، ولكن ليس التراث كما هو؛ وإنما يجب محاولة تطويعه للتعامل مع المشاكل الواقعية. وقال مغيث، في تقديمه لأولى ندوات الموسم الثقافي للهيئة العامة للكتاب، إن هذا الكتاب يختلف مع كتب الفلسفة في أنه كان بمثابة الدعوة، سواء دعوة لإنشاء حزب، أو إصدار مجلة، أو أي شيء يساعد على النهضة، وكيف يمكن أن يكون هناك إسلام يؤمن بالحرية ويكفلها ويسمح بالحرية دون إكراه، “فالحاضر يطلب منا أن نتعامل مع الإسلام على أنه الثقافة التي ستحقق لنا ما نحب”. حنفي ومغيث خلال اللقاء (الشرق) أروى حسن | القاهرة | عبد الصبور بدر