حلمت أن مدينتي أصبحت تسمى «مدينة الجسور» وأن الاختناقات المرورية التي كانت تعاني منها أصبحت ذكرى فقط، وأن الحركة الانسيابية للسيارات أصبحت ميزة لها، مما سبب ازدحاماً طفيفا فيها بسبب كثرة السياح الذين قدموا ليروا فقط هذه الجسور، ويتمتعوا بالمرور من فوقها ومن تحتها، متأملين مباني المدينة وميادينها وشوارعها. وقد تقلص الوقت الذي ننفقه على المشاوير إلى أقل من النصف، حيث تستطيع شق أرجاء المدينة من شمالها إلى جنوبها في مدة لا تتجاوز عشر دقائق، وبدون توقف، وعبر أكثر من طريق! لم نعد نتوقف عند الإشارات المرورية أبدا، وما حاجتنا لذلك والجسور تؤدي الغرض؟ هذا الحلم ظلّ يراودني منذ زمن طويل، في ظل تنامي مدينتي، وتمدد أطرافها في كل الاتجاهات، لكن هذه الأطراف لا تستغني عن الوسط ، فيتردد المواطن على مركز المدينة في اليوم الواحد مرات ومرات، حيث المدارس والمشافي والدوائر الحكومية المختلفة، كلها تتمركز في وسط المدينة، وما التمدد الأفقي لها إلا عبء يضاف على ساكنيها، لعدم تمدد الخدمات بنفس القدر. وحيث إنني لم أكن نائماً بالقدر الكافي، بل كنت نصف مستيقظ، فقد بقِيَتْ إحدى عينيي مفتوحة لتنبهني أن ما رأيته محض حلم! وأنه ومضة لزمن موغل في البعد، قد لا أدركه أنا، وقد لا يدركه حتى أصغر أبنائي، ولكني رأيت فيما لا يرى النائم، أن هناك بوادر لتحقيق هذا الحلم، وأن شوارع أغلقت وفتحت بطونها، ومنع المرور من حولها، وقيل لنا إنها ستصبح جسوراً! أتمنى أن يكون ذلك ممكنا، ولنستمتع بقيادة مركباتنا فوق الجسور. فذلك من أحلامنا المؤجلة، مثلها أن نرى حدائق الأحياء في مدننا، متنزهات حقيقية للقرى القريبة منها، التي قد لا تجد قيمة تذاكر الدخول للحدائق الترفيهية التجارية. وأن نرى الخدمات البلدية تقدم للأحياء المختلفة على قدم المساواة، لا أن تسفلت أحياء مرة كل عام وأحياء أخرى تعاني من الأتربة والغبار لعقود! وأن تولي الضواحي القريبة من المدينة الرعاية البيئية الكافية وأن توزع حاويات النفايات على المزارع التي أصبحت أحياء خارج النطاق العمراني المعترف به من قبل الأمانة. فالمدن ذاكرة متغيرة، وشاهد حي على أحلامنا ويقظتنا.