ما يزعجني كثيرًا تهميش الحقيقة أوتضخيمها بما لا تستحق، وكل الخطر الذي رُكز على رجال الأمر بالمعروف، هو مرهون بأخطاء، وقد قرأت أن بعضهم أحيانًا يبحثون عن المنكر في سبيل إرضاء ضمائرهم ببتر الفساد الاجتماعي القائم في المدينة، وهذا ما أجده في تقديري نتيجة للتعسف والتسلط والقسوة على شباب الأمة. رأيت أيضًا حين زيارتي للمنطقة الغربية، تعاملا لبقا وحضاريا، تحلى به رجال الحسبة، ولو قارنا ذلك بسلوك بعض رجال الحسبة في المنطقة الوسطى فسنجده يختلف تمامًا، فبعضهم لا يعطون المخالفين فرصة للحديث معهم! وهذا يؤدي إلى إصابة المجتمع النجدي بالفتور. إذًا العلة ليست في الكوادر التي تمتهن هذه الوظيفة التي حث عليها الإسلام وذكرها الله سبحانه في كتابه حين قال: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ». إن اختلاف التربية التي تعتمد على البيئة، له دورٌ كبير في تكوين بنيان الشخصية واكتمال نضجها، فرجال الهيئة لا ينبغي أن يكونوا أكثر غلظة أوأشد تعسفًا وتسلطاً، تجد بعضهم حين يمرون في شارعٍ أو حديقة أو حتى في ممرات السوق، تجدهم مشدودين لما سيحدث، كأنهم يتحرون كارثة كونية، أو كأنهم قد خرجوا من بيوتهم مقبلين على ساحة معركة! وبذلك أصبحت الانتقادات تطغى هذه الأيام أكثر على الصحف والمجالات ووسائل التقنية الحديثة، موجهة لبعض رجال الهيئة. ما أريد الوصول له حقًا، هو أن بعض وسائل الإعلام تعمل على تشويه صورة من يعملون في حقل الدين، بعناوين تخدش أخلاقنا التي تعتني بدور النصح اعتناءً واضحاً بتهذيب النفس وتعديل السلوك، إننا نؤكد دور الهيئة الذي يكمن في الحفاظ على فضائل المجتمع، ومنع وقوع المنكرات فيه، كذلك لا ننسى دورها في مكافحة غير المسلمين الذين يحاولون ممارسة طقوسهم المحرمة إسلاميًا، أما الأخطاء فهي مقصورة دائمًا على أفراد، وليست صادرة من جهة حكومية تسعى لتحقيق الأمن، وترصد من يبثون الفساد. ويمكننا أن نوجز المعادلة في قول الرسول صلى الله عليه وسلّم «لا ضرر ولا ضرار» حيث لا يكون الإرشاد مبنيًا على تشدد أو إفراط، فالتفريط باب موازٍ للتشدد، وبه قد ينتهي دور الإصلاح! فكل الديانات السماوية تؤمن بالإرشاد والنصح القويم المبني على نية سليمة. إنّ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي جهاز مهم، يحتاج لدعمنا أولًا ثم ثقتنا بأعمالهم، ولكن يجب على رجال الهيئة أن يتحلوا بالحلم والصبر والمصابرة والمبادأة الحسنة والسماحة والحنكة، وأن يعملوا بعيداً عن التسلط المبني على «تقشف العاطفة» متأسين بسيد الخلق والأخلاق عليه الصلاة وأفضل التسليم. ومضة: لا تكن فظاً غليظ القلب!