لطالما حلمت بفكرة مبتكرة، قد تريحنا من السجال العقيم، الذي يتم طرحه وتصويره على أنه «حراك ثقافي» من قبل البعض، و»جهاد كلمة» من قبل البعض الآخر! وهذه الفكرة، تتمثل في أن يتم وضع بعض المتناظرين من كلا الطرفين في جهاز كشف الكذب! أتعرفون لماذا؟ لأنه في الحقيقة لا يمكن بأي حال من الأحوال لي أنا كمتلقٍ بسيط أن أقبل مثل هذه الأفكار المتناقضة التي يتم طرحها. فنحن نريد الحقيقة بدون تزييف، بدون تحريف، بدون أن يتم استغفال المتلقي ببعض العبارات المنمّقة، التي تدعي المدنية والتحضر من قبل البعض، ومن الطرف الآخر الذي يربط مثل هذه الأمور ربطاً مباشراً ب «المعلوم من الدين بالضرورة» وحتى يصل الأمر بهم لربطها بالرجولة والشرف. ولنكون أكثر وضوحاً، سأتعرض لقضيتين قديمتين جديدتين، قضية واحدة لكل طرف، وأعني هنا بالأطراف المتنازعة، طرف يصنّف بأنه «الليبرالي المنسلخ عن دينه وثقافته»، والطرف الآخر يصنف بأنه «متشدد متخلف ورجعي» وأنا هنا لا أدعي تقديم الجديد في هذه المناظرة المفتعلة، ولكن أريد أن أصل بالقارئ الكريم إلى بعض الأسئلة المهمة، التي قد تجعله يتجه بتفكيره إلى نواحٍ أخرى، عندما يرى أحد هذه الأطراف ينظّر مستقبلا بأفكاره.القضية الأولى: تأنيث محلات الملابس النسائية الداخلية، وهنا، كيف لي أن أقبل من شيخ، أو طالب علم، أو داعية، أو من يسمي نفسه «بملتزم» أن يقف معارضاً لمثل هذا الأمر؟ مهما ساق من أخطار هلامية وأجهد نفسه في وضع سيناريوهات عجيبة، لجعل هذا الأمر طريقاً للرذيلة وتغريباً للمجتمع. وكيف بمن اعتدنا منه أن يضع منطق (منع المفاسد مقدم على جلب المصالح) أن لا يرى بأساً في بيع رجل أجنبي للملابس الداخلية للمرأة، ويتعرف على مقاساتها الداخلية! أنا هنا لا أحاول أن أجادل بالحجة، فأسوأ سيناريو يمكن أن يضعه المعترض على قرار التأنيث أهون بألف مرة مما هو موجود حالياً. والقضية الثانية هي مسألة قيادة المرأة للسيارة، وهنا يحق لي أن أبدي عجبي من الحماس الشديد الذي يبديه بعض من يسمون أنفسهم بالمثقفين، الذين يحمل أحدهم على ظهره ألقاباً عديدة، فهو إما أستاذ جامعي، أو كاتب مخضرم، أو عضو مجلس شورى. ويكون همه في الحياة، هذه القضية، التي لا تمثل في الأساس أولوية لكثير من الأسر السعودية. والغريب أنه عندما تحاول أن تشرح له أن الطرق والشوارع في المملكة أساساً تعاني مشكلات كبيرة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد لدينا نظام رادع للمعاكسين، الذين لن يدعوا بنتاً ولا عجوزاً تمر من جانبهم مرور الكرام، تأتي مبرراته ضعيفة وواهية! عموماً كما قلت سابقاً، لن أحاول أن أطرح حججاً منطقية، لأنها أشبعت طرحاً وتحليلاً.وأعود لأقول، إنه في كلا القضيتين السابقتين، حاولت أن أركز على اللامنطق في كلام كل طرف من الأطراف، وهنا كما بدأت المقال، أحتاج لجهاز كشف الكذب، حتى أستطيع أن أواجه كلا الطرفين الذين يحاولان أن يستعليا على مستوى المجتمع فكرياً، من خلال هذا الطرح السطحي المتناقض، وكأن أفراد هذا المجتمع أغبياء وسذج! حتى يمكن أن يستدرجوا من أي طرف لمثل القضايا الجانبيّة، ومن ثم لا نجد هؤلاء الأبطال في ساحات المناظرة والخصومة، من الهموم الواقعية للفرد السعودي! فهناك معضلات ومشكلات كبيرة، كالسكن والبطالة ومستوى المعيشة ونسبة الفقر! لا أرى كثيراً منهم يضع مجهوداً يذكر في مثل هذه القضايا المهمة!