“سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه كارثة تقضي على بلادنا... سنواجه كارثة وستصبح دولتنا مهددة إذا نجحت الثورة السورية في الإطاحة بنظام الأسد الذي يمثل وجوده مصلحة لنا”.. كلا عزيزي القارئ، ليس هذا تصريحا للمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي الخامنئي أو أي من أركان النظام الإيراني تم الإدلاء به أثناء انعقاد مجلس الأمن القومي للبلاد للبحث في وضع النظام السوري وانعكاسات سقوطه على مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة. والكلام ليس جزءاً أيضا من تسجيل سري تم تسريبه بعد أخذه من حديث للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أثناء جلسة تقييم داخلية لوضع نظام الأسد في سوريا ومستقبل حزب الله حال انهياره. التصريح أعلاه لرئيس الهيئة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية «عاموس جلعاد» عبر أثير الإذاعة الإسرائيلية أول أمس. هذا التصريح يفرض علينا وقفة تأمل وتبصّر طويلة.لقد قيل الكثير من قبل عن الكيفية التي يخدم فيها الطرفان -إسرائيل من جهة ومحور الممانعة من جهة أخرى- بعضهما البعض، فتحذّر تل أبيب دوماً من مخاطر هذا المحور لاستدرار عطف الغرب ومساعداته ولتشرعن سياسة البطش التي تنتهجها في داخل فلسطين وخارجها، فيما يتفاخر محور الممانعة بتصدّيه للعنجهية الإسرائيلية ليكسب قلوب وعقول العامة من الناس في سياسة البقاء في السلطة التي ينشدها على ظهر “الممانعة”. لكن هذا التصريح يتجاوز التقديرات والتحليلات إلى القطع بمثل هذه العلاقة. فالمسؤول الكبير في وزارة الدفاع الإسرائيلية يتساءل ، من سيؤمن الحدود إذا سقط نظام الأسد”؟! ، من سيحمي مصالحنا؟! وخشية إسرائيل من سقوط هذا النظام “الممانع” “المقاوم” تتقاطع بشكل جلي مع خشية نظام الملالي في طهران من انهيار نظام الأسد وخوف حزب الله من تداعيات هذا الإنهيار أيضا عليه وعلى دولة الولي الفقيه. ولا يعد هذا التصريح بالمناسبة استثناءً، فمنذ الأيام الأولى لإندلاع الثورة السورية ، نشرت الصحافة الإسرائيلية سيلاً من التقارير والمقالات التي تعبّر عن خوفها وقلقها من إمكانية انهيار نظام الأسد وعن “ممانعتها” الشديد للإطاحة به!! رافقها عدد من تصريحات صادرة عن مسؤولين من الوزن الثقيل داخل الدولة العبرية. نعم تل أبيب تدافع عن النظام “المقاوم” من أوائل التقارير، التقرير الذي نشره يعقوب كاتز في صحيفة «جيروساليم بوست» بتاريخ 23/3/2011 يقول فيه أنّه ورغم كل أخطاء الأسد، الا انّه يبقى الشيطان الذي نعرفه – على قاعدة الذي نعرفه خير من الذي لا نعرفه-، فحدود إسرائيل مع سوريا آمنة وهادئة منذ عام 1973. يضيف كاتز انّ هذه الحدود –صدقوا أو لا تصدقوا- أهدأ حتى من حدود إسرائيل مع الدول التي عقدت معها اتفاقيات سلام كمصر والأردن!...ملخص التقرير: “ماذا سنفعل من بعد يا أسد”! تقرير آخر نشرته هآرتس بعد عدّة أيام فقط بتاريخ 29/3/2011 تحت عنوان “الديكتاتور العربي الأكثر تفضيلاً لدى إسرائيل على الإطلاق هو الأسد”!. يقول التقرير من المدهش أنّ اليهود يصلّون سراً من أجل أن ينجو نظام الأسد في سوريا، ويضيف أنّ كل المنافقين العرب واليهود متحدون على هذا الدعاء وكأن الأسد مَلِكُ إسرائيل. علماً –والكلام للتقرير نفسه- أنّ الشعار الأجوف الفارغ الذي حمله الأسد الأب والابن حول “المقاومة” ما هو ورقة تأمين لبقاء النظام فقط، فالحكومة السورية “الممانعة المقاومة” لم تصدر حتى صوتاً مزعجاً في الجولان بينما كانت مستعدة لقتال إسرائيل حتى آخر لبناني، وإن لم تنفع هذه الخدعة فحتى آخر فلسطيني ولما لا؟! وتستمر التقارير، فبعد يوم واحد فقط نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقالاً تحت عنوان “إسرائيل قد تفضّل بقاء الأسد في النهاية” تقول فيه أنّ وضع الإسرائيليين قد يكون أفضل بوجود الأسد منه في حال غيابه!! فالأسد ووالده –الكلام للصحفية من تل أبيب- حافظا على هدوء الحدود الإسرائيلية-السورية لعقود مما سمح لسكان المنطقة الشمالية لإسرائيل وللمنطقة هناك بالإزدهار في جو من السلام رغم أنّ البلدين في حالة حرب تقنيا! ويضيف مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى للصحيفة “نعم كان لدينا ديكتاتور –الأسد-، لكنه كان هادئاً جدا” ! والتقارير المشابهة القادمة من إسرائيل حول نفس النقطة أكثر من أن ننقلها هنا، وكلها تدفعنا إلى تقديم الخلاصة عبر استنتاج واحد وهو أنّ محور الممانعة –سوريا، إيران، حزب الله، ومن معهم- الذي يجتر مصطلح “المقاومة” ليل نهار وصدّعوا رؤوسنا به لعقود إنما كانوا يمانعون تغيير المعادلة النفعية مع إسرائيل ولا يمانعون قتل شعوبهم أو المتاجرة بدمائهم أو حتى بالقضية برمتها تحت مسمى “مقاومة”، فعن أي “ممانعة” تتحدثون بالضبط؟ وبأي “مقاومة” تؤمنون؟!