في شهر رمضان الماضي، وجه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله نداءً للإخوة في سوريا، لنزع فتيل الأزمة، ووقف حمام الدم. كان النداء بمثابة رسالة إلى العقلاء في النظام، لاستخدام الحكمة والعقل، ولجعل استقرار سوريا فوق كل شيء، فوق الطموحات السياسية والرغبات الشخصية. كانت تلك الرسالة تستهدف أهل الربط والحل في سوريا بالمقام الأول، وإلى كافة أفراد الشعب السوري في المقام الثاني. ومع ذلك اختار من يملك القرار في سوريا، المضي قدماً في مسلسل حمام الدم والقمع والتعذيب والتنكيل! تلك الرسالة الكريمة، كانت بعد ستة أشهر من انطلاق الثورة، والآن مضت ستة أشهر أخرى، فماذا بعد؟ ألم يدرك العقلاء في ذلك الزمان أن الأمور ستزداد صعوبة؟ وستصل إلى ما وصلت إليه؟ خسرت سوريا الكثير من أبنائها، والكثير من مقوماتها السياسية والاقتصادية، وما زال هؤلاء يراهنون على سياسة القمع وسياسة التدليس والكذب، من خلال العديد من المحاولات لوقف تلك الثورة، أو التقليل من قوتها عبر التضليل الإعلامي، أو عبر خلق أعذار مسيسة لإذابة الثورة، وضرب مصداقيتها، وطمس هويتها، تارة بالقاعدة، وتارة بالدعم الغربي، إلا أن الثورة ازدادت نضوجاً وقوة يوماً بعد يوم. فبالرغم من المجازر المرتكبة في باب عمرو والرستن، وغيرها، نشهد تنامي الثورة في دمشق نفسها، ناهيك عن تزايد الانشقاقات العسكرية، خاصة في إدلب، بل إنّ إدلب أصبحت مركزاً عسكرياً مهماً للثوار. وقد تبادلت المحافظات السورية الأدوار، فعندما تغيب شمس الثورة في محافظة، نشهدها تسطع في محافظة أخرى، وعندما كانت ساحات المسجد العمري في درعا تنتفض ضد النظام القمعي، كانت المحافظات الأخرى تتهيّأ لفصل جديد من الثورة، وعندما وصلت الدبابات إلى وسط درعا، خرجت الانتفاضة الشعبية في حماة واللاذقية وحمص وريف دمشق. لم ولن يستفيد هذا النظام من التاريخ الثوري العالمي، وإن اختلفت تلك الثورات في شكلها و زمانها، وحتى مدة الثورة، ولكن الإرادة الشعبية هي من ينتصر في الأخير، متى ما كانت هذه الإرادة تحمل صفة الإجماع، وأقرب مثال ما حدث في ليبيا، وكيف كانت النهاية للطاغية الليبي ومن حوله ومن سانده. هذا النظام لا يعرف أن الثورة لن تنتهي بقمعها في الرستن وجسور الشغور، ولن تذبل بتجويعها في حمص، ولكن ستزداد تماسكاً وقوةً، وستشهد تنامياً في المحافظات الأخرى، متى مازاد إصرار النظام على هذا الخيار، وترك خيار العقل والحكمة. عام مضى على بداية الثورة السورية، ولكن لانعلم إلى متى ستستمر هذه الثورة؟ ولا نعلم هل ستزور دبابات الفرقة الرابعة جميع المحافظات الثائرة؟ أم أن هذه الدبابات ستحترق قبل حلول نهاية العام الثاني للثورة؟ ولكن تعلمنا، أن هذه الثورة، ثورة تبادل الأدوار، فإذا غابت في محافظة، ظهرت في محافظة أخرى، وتعلمنا أن الشعب متى ما ملك الإرادة للتغيير، لن تقف أمامه جحافل القمع والبطش، ناهيك عن سياسات التدليس والكذب.