يعلم جميع المعنيين بسوق الحجز الفندقي عبر الإنترنت أن هذا السوق العالمي يقبع تحت مظلة وكلاء السفر، الذين يوفرون للعملاء أسباباً كثيرة لإتمام الحجز عبر منصاتهم الرقمية، لكن قلة منا تتطرق للأسباب المقابلة التي تؤدي إلى نتيجة عكسية وتدفع العميل إلى التعامل مع الفنادق مباشرة. ومن شأن ذلك أن يدفعنا إلى التساؤل: كيف يمكن لمنصة رقمية تضم آلاف الفنادق أن توفر العروض الجذابة بشكل أفضل من الموردين الرئيسيين، وهل وكلاء السفر أدرى من الفنادق بغرفها الشاغرة؟ ولم لا تبادر الفنادق إلى بذل مزيد من الجهود لتعزيز التواصل المباشر مع العميل؟ وكيف للفندق أن يسترجع حصته أو أن يتخذ لنفسه مكانة في هذا السوق؟ بصورة نسبية، جميع الإيجابيات التي تتنامى إلى مسامعنا عن وكالات السفر عبر الإنترنت صحيحة، فهي تتيح القدرة على المقارنة، وتوفر العروض الجذابة، وتقدم معلومات تجريدية عن مستوى الفندق عبر إتاحة فرصة كتابة المراجعات وإبداء الرأي، وتوفر نطاقاً واسعاً من قنوات التواصل الرقمية كالموقع والتطبيق الذكي….إلخ. يمكن أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار، ولكن ينبغي علينا ملاحظة أن الخيارات التي توفرها الوكالات محدودة بنطاق زمني ضيق يتمثل بالحجز الرقمي. وبمعنى آخر: 1- إبحث، 2- قارن، 3- إدفع. والسؤال الذي يجدر طرحه في هذا المقام، أيصعب على الفنادق توفير مثل هذه المحفزات أو حتى نصفها؟ بوسعها بالطبع، ولديها الأحقية الأكبر في هذا المضمار، نظراً لأن العلاقة بين العميل والفندق لا تنتهي عند الدفع لقاء الحجز وحسب كما هو الحال مع الوكالات، بل تستمر، لأن هنالك رحلة كاملة تتوجب على الفنادق توفيرها للعملاء. وقبل الخوض ببعض التوصيات المهمة لإدارات الفنادق، علينا التأكد من أن هذا السوق يتمتع بالحجم والنطاق الكافيين ويستحق بذل الاستثمارات فيه. ويمكن في هذا المقام التطرق إلى عدة دراسات تشير بالفعل إلى وجود سوق كافية لخوض مثل هذه المعركة. فقد أشارت دراسة أجرتها شركة بحوث سوق السفر العالمية "فوكس رايت" حول سلوك السياح إلى أن 50% من زوار القنوات الرقمية لوكالات السفر يقومون أيضاً بزيارة القنوات الرقمية الخاصة بالفندق قبل إتمام حجزهم الفندقي عبر موقع الوكالة. وقد يشير هذا السلوك إلى رغبة المسافر بمقارنة الأسعار أو الحصول على صورة أوضح عن مرافق وديكورات الفندق أو ربما الحصول على معلومات أعمق وأشمل. ومن ناحية أخرى قد يشير هذا السلوك إلى احتمالية كبيرة لقيام هؤلاء بالحجز عبر القنوات الرقمية الخاصة بالفندق إذا توفرت لهم عناصر الجذب اللازمة. وتأكيداً على وجود قاعدة بشرية كبيرة تقوم بتداول القنوات الرقمية، أشارت دراسة أجرتها "أڤايا" حول السياح من المملكة العربية السعودية إلى أن 89% من المسافرين السعوديين يستخدمون تطبيقات الهواتف المتحركة لأغراض لا تقتصر على الحجز فقط، بل تشمل أيضاً خدمات أخرى مثل تتبع التغييرات في الفاتورة واستكشاف الوجهات خارج الفندق. وذهب السعوديون إلى أبعد من ذلك، حيث قاموا بتصنيف عامل توفر التطبيقات الذكية كجانب أكثر أهمية من وسائل الترفيه ومرافق الفندق. وفي نفس الإطار، أظهر استطلاع "أڤايا" أن 34% من السعوديين يستخدمون التطبيقات الذكية لحجز غرفهم الفندقية. وفي حين تدفعنا هذه الأرقام إلى التفاؤل، علينا إدراك أن جني ثمار هذا التفاؤل ليس ممكناً دون اتخاذ خطوات جريئة وجذرية، خاصة فيما يتعلق بالجانب الرقمي الخاص بالفنادق. وسنسرد في القسم التالي بعض الإرشادات التي من شأنها تفعيل دور الفنادق في هذا السوق واسترجاع حصصهم الضائعة. هذا صحيح. فقد أشارت دراسة "فوكس رايت" إلى أن 47% من زوار مواقع الوكالات يعتبرون هذه المواقع أكثر سهولة من ناحية الاستخدام مقارنة بقنوات الفنادق. ومن هنا، يجب على الفنادق أن تنطلق وتستثمر في قنواتها الرقمية وسط تركيز على المواقع الإلكترونية والتطبيقات الذكية، آخذة بعين الاعتبار توفير قنوات رقمية سلسلة ومتكاملة وتتيح الحصول على المعلومات بشكل واضح وسهل. تشير الدراسة إلى أن أدوات التسويق تلعب دوراً كبيرأ في هذا المجال، فوكالات السفر عبر الإنترنت تنفق ما بين 30 إلى 40% من أرباحها على أنشطة التسويق وخاصة المتعلقة بالحسومات والعروض، في حين تنفق الفنادق 6% فقط على أنشطة التسويق، وذلك وفقاً لدراسة "فوكس رايت". ونشجع في هذا الإطار على إطلاق حملات مكافأة الولاء، والعروض الجذابة، وتسليط الضوء على المحفزات الثانوية كالاتصال اللاسلكي بالإنترنت مجاناً، أو وجبات الفطور الملكية، أو جلسات التدليك المجانية وغيرها من الأمور التي يمكن للفنادق اغتنامها عبر ما توفره من مرافق ووسائل ترفيهية. وبالطبع ينبغي عرض هذه المحفزات بصيغة رقمية تنسجم مع سلوك الباحث الرقمي. يصعب على الوكالات توفير هذا النوع من المحفزات، لأن العلاقة بين الطرفين قصيرة وعنصر الولاء فيها مهمش. وهنا يمكن للفنادق استغلال هذه الفرصة لإضافة خدمات مخصصة سواء أثناء عملية الحجز أو الإقامة أو بعد المغادرة. ويدعم ذلك دراسة عالمية أشارت إلى أن 93% من العملاء يوافقون بشدة أن التقدم الرقمي في قطاع السفر لا يغني عن قيمة الخدمة التي تعكس الطابع الشخصي. يخلف التعامل مع وكالات الإنترنت أحياناً لمسة من الضبابية وعدم الشفافية. حيث يوجد قضية شائعة لا يمكن لأحد نكرانها ألا وهي نقص الشفافية، فبدءاً من إضافة رسوم غير متوقعة عند المغادرة وانتهاءً بعدم وضوح سياسات استرجاع النقود، والأسوأ من ذلك أن يحدث أحياناً أن تصل إلى الفندق برفقة عائلتك وتأتي المصيبة الأكبر عندما يقال لك "لا يوجد حجز بإسمك". جميع هذه الأمور تخلف فجوات يمكن للفنادق استغلالها بشكل مثالي، وهنا يمكنه الاستثمار في هذا المجال عبر توفير تجربة واضحة وشفافة مع العميل أثناء عملية الحجز. عملية الحجز الرقمي ما هي إلا جزء صغير من رحلة العميل الواسعة والتي بات الجانب الرقمي منها مطلوب بشكل واسع. فبالعودة إلى دراسة "أڤايا"، فإن 89% من المسافرين السعوديين يستخدمون تطبيقات الهواتف المتحركة لأغراض متعددة مثل تتبع التغيرات في الفاتورة واستكشاف الوجهات خارج الفندق. كما أكد مسافروا المملكة ميلوههم للتحدث والتفاعل مع موظفي الفندق عبر مزايا المحادثة والمراسلة المدمجة في هواتف غرفهم، وأعرب 40% منهم عن رغبتهم بالتحكم بمرافق غرفهم مثل الإضاءة والترفيه ودرجة الحرارة من خلال الهاتف. إذاً تشير هذه الأرقام بأن هنالك رحلة كاملة ذات معالم جديدة ومحفوفة بالتوقعات المائلة إلى الرقمية، وتشير أيضاً بأن هنالك أبواب ما إن فتحناها ستضفي بالعديد من المزايا التي تصب في مكونات رحلة العميل من جهة، واسترايجية الفنادق في رصد وترسيخ مزايا تنافسية تتفرد بها. ففي خضاب هذه المعمعة الرقمية الممزوجة بقدرات التكنولوجيا الناشئة والتي ستأتي عاجلاً أم أجلاً وسنرى ملامحها بشكل أوسع عند الفنادق، فلم علينا أن نغفل البصر على جزء من هذه الرحلة وخاصة أن وسائل الإبتكار سواء في هذه المرحلة أو التي تليها موجودة وتتطور. وختاماً، لا يهدف هذا المقال إلى التقليل من شأن وكالات السفر عبر الإنترنت، ففي النهاية يحتاج كلا الطرفين بعضهما البعض. لكننا نسعى إلى فتح عيون الباحثين عن فرص النمو ومواكبة سلوك المستهلك الرقمي، وخاصة في ظل وجود سوق يتسع لجميع مكونات قطاع السياحة ويمكن للجميع اغتنامه وحصد ثمراته.