لا يخفى على أحد كم أصبح كل شيء من حولنا إلكترونيا أو رقميا، حتى باتت جملة "الثورة الرقمية آتية" بلا معنى، فالثورة الرقمية بدأت بالفعل، ونعيشها في كل يوم. ومن صور هذه الثورة "التسوق عبر الإنترنت" الذي أصبح من الأمور العادية التي يمارسها يوميا عدد كبير من مستخدمي شبكة الإنترنت، وخصوصا بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت مع مرور الوقت أفضل قنوات التسويق "الرقمي" في الوقت الحالي، اذ لم يعد هناك سوى عدد قليل من الشركات والمؤسسات لا يمتلك حسابا على "فايسبوك" أو "تويتر" أو "إنستغرام" لتسويق منتجاتها. ومع تغير ثقافة المستخدم او المستهلك تغيرت ثقافة الإعلان. ولم يعد هناك من يروج لسلعة ما حاليا تحت الشعار القديم "أنا الأفضل إشتريني لو سمحت". وواكب ذلك تغير شكل السوق ايضا والسلوك الشرائي، فالكثير من مستخدمي الشبكات يشترون معظم أغراضهم من متاجر على الإنترنت، بدءا من الملابس والأجهزة الإلكترونية ووصولا إلى الوجبات اليومية وحجز تذاكر السينما، وخصوصا بعد تطوير الهواتف الذكية ليصبح تصفح الإنترنت متاحا في كل وقت وكل مكان. وبات 40 في المائة من سكان كوكبنا متصلين بالشبكة، وأصبح عدد مستخدمي الإنترنت في العالم حوالى ثلاثة بلايين في 2104، في قفزة هائلة منذ العام 1995 عندما كانت النسبة واحد في المائة، وبلغت نسبة من يملكون إتصالا بالإنترنت في العالم العربي ما يقرب من 48 في المائة من عدد السكان. وذكر تقرير صادر عن "كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية" أن "أكثر من 135 مليون فرد يستخدمون الإنترنت حالياً في البلدان العربية ال 22 ، ويقترن هذا مع معدل انتشار للأجهزة الجوالة يبلغ نحو 110 في المائة على المستوى الإقليمي (البعض يمتلك اكثر من جهاز) وأكثر من 71 مليون مستخدم نشط لتقنيات التواصل الاجتماعي". ويمضي كل مستخدم ما يقارب اربع ساعات يوميا على الإنترنت، معظمها من المنازل، يقومون خلالها بما يقرب من 100 مليون عملية بحث على "غوغل"، و53 في المائة يبحثون عن منتجات عبر الإنترنت، والعدد في إزدياد، ما جعل تجار التجزئة التقليديون يتطلعون إلى نظرائهم الرقميين بقدر أكبر من الإهتمام بعدما سخروا من إمكان نجاح المتاجر الإلكترونية في بداية ظهورها. وعلى رغم انخفاض عمليات الشراء الإلكترونية في العالم العربي مقارنة بباقي العالم، لكن هناك ما بين خمسة وستة اشخاص من كل عشرة يتسوقون عبر الانترنت. ووصلت قيمة عمليات التسوق في العالم العربي العام 2012 إلى 9 بلايين دولار. وزيادة عدد المشتريات عبر الإنترنت مرتبطة بأسباب عدة أولها الأمان في عمليات الدفع، يليها الولاء والثقة المتبادلة بين العميل والمتجر. لذلك ومع دخول كبريات الشركات عالم التسوق الرقمي، تخلى بعض مستخدمي الشبكة عن ترددهم وباشروا البحث عن العروض المختلفة ومقارنة أسعار المنتجات، وهو مؤشر قوي الى امكان قيامهم بالتسوق الكامل عبر الإنترنت في المستقبل. وتشير دراسات أجرتها وكالتا "يورومونيتور" و"غولدمان ساكس" إلى أن 19 في المائة من إجمالي تجارة التجزئة في العالم العربي ستتحول إلى النسق الإلكتروني على الإنترنت بحلول العام 2030 . وأظهر تقرير آخر أعدته شركة "يوجوف" بناءً على إستطلاع رأي شارك فيه 1895 شخصا (1000 في الإمارات و 895 في السعودية)، أن التسوق عبر الانترنت ذو شعبية أكبر في الإمارات ( 75 في المائة) مما في السعودية (51 في المائة)، وأن 64 في المائة قالوا أنهم تسوقوا عبر الإنترنت، وحوالي 73 في المائة ممّن يشترون، يقومون بذلك بمعدّل مرة في الشهر. ومعظم عمليات الشراء عبر الإنترنت في المنطقة يذهب الى تذاكر السفر (61 في المائة) يليها الإلكترونيات ( 42 في المائة)، بينما هناك عشرة في المائة في السعودية والإمارات يقولون أنهم اشتروا سلعاً منزلية عبر الانترنت، وثلاثون في المائة اشتروا اطعمة. ووصلت نسبة تسوق الملابس إلى 27 في المائة، وتفوقت الإناث على الذكور في شراء الأحذية والحقائب أو الأكسسوارات بنسبة 29 في المائة، بينما بلغت نسبة عمليات شراء الإلكترونيات من قبل الذكور 46 في المائة في مقابل 28 في المائة للاناث، معللين ذلك بسهولة التعامل، وللفرق في الأسعار بين المتاجر الإلكترونية والمحال التقليدية. وفي الواقع، ومع قلة نسبة من يتسوقون عبر الإنترنت في العالم العربي، إلا ان وجود الهاتف الذكي والكمبيوترات اللوحية قد يساهم في زيادة الأعداد في المستقبل بشكل كبير، فالإعتماد المتزايد على هذه الأجهزة يؤثر يوميا في العادات الشرائية للمستخدمين، لسهولة إستخدامها وتعدد قنواتها وفعالية البحث عن العروض ومقارنة أسعار المنتجات. وفي الإمارات، يبلغ حجم التجارة الإلكترونية حالياً نحو 2.9 بليون دولار، ومن المتوقع أن ينمو إلى 10.5 بليون دولار في العام 2015 . وفي ظل كل هذه المعطيات والإحصاءات أصبح السوق الرقمي واقعا لا يمكن تجاهله، وقد لا يحتاج المتسوقون في المستقبل القريب للذهاب حتى إلى المتاجر الكبرى أو محلات الملابس أو حتى معارض السيارات. مصادر: