اهتمت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها بالقرآن الكريم وعلومه، واعتنت به تلاوة وتدبرًا وحفظًا، وحرصت على طباعته وإرساله إلى المسلمين في مختلف أنحاء المعمورة ليعم خيره على الجميع خاصة أمام ازدياد حاجة العالم الإسلامي إلى القرآن الكريم بمختلف لغاتهم، ليتمخض عن ذلك الحرص إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينةالمنورة الذي بلغ إجمالي ما طبع من القرآن الكريم منذ افتتح عام 1405ه حتى الآن 305 ملايين نسخة موزعة ما بين: مصاحف كاملة، وأجزاء، وترجمات، وتسجيلات، ومصنفات علمية تتعلق بعلوم القرآن الكريم. ولم يقتصر اهتمام المجمع على طباعة المصحف الشريف بالروايات المشهورة في العالم الإسلامي وفق أعلى مواصفات الدقة والجودة والإتقان وحسب، بل تخطى ذلك إلى تسجيل تلاوة القرآن الكريم بأصوات مشاهير القراء، وإلى ترجمة معانيه إلى أهم لغات العالم وأوسعها انتشارًا وطباعتها في طبعات متميزة في الجودة وحسن الإخراج، وإجراء البحوث والدراسات المتعلقة بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، فيما تصل الطاقة الانتاجية للمجمع حاليًا إلى نحو 12 مليون نسخة من مختلف الإصدارات سنويًا. وانفرد المجمع بنظام دقيق للمراقبة مراحل كتابة وطباعة المصحف وفق نظام مراقبة الإنتاج التي تشتمل على: مراقبة النص، والمراقبة النوعية، والمراقبة النهائية لتحقيق مزيد من الدقة والتأكد من صحة الإصدارات ومطابقتها للمواصفات الفنية المحددة لها، وهي ميزة تحسب للمجمع عن غيره من كبريات دور الطباعة العالمية. واستفاد المجمع من التقنيات الحديثة والبرامج الحاسوبية من خلال البحوث والدراسات ومتابعته لأحدث ما وصلت إليه تقنيات الطباعة في العالم، لتسخيرها في خدمة القرآن والتيسير على المسلمين، وأطلقت مجموعة من الخدمات على شبكة المعلومات الدولية، منها موقع الإنترنت الخاص بمجموعة الخطوط الحاسوبية، وهو أحد المواقع التابعة لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ويهدف إلى المساعدة في دعم المكتبة العربية الإلكترونية بمجموعة من الخطوط الحاسوبية التي تخدم نص المصحف الشريف بمختلف رواياته، وبرنامج مصحف المدينة النبوية للنشر الحاسوبي وبجميع اللغات. ومن الخدمات أيضاً برنامج مصحف المدينة النبوية، وخدمات حاسوبية للقرآن الكريم وعلومه، وإنشاء مجموعة من مواقع الإنترنت ذات العلاقة بالقرآن الكريم وعلومه مثل: موقع المكتبة الصوتية، وموقع تفسير القرآن الكريم بلغة الإشارة، علاوة على إنشاء خط حاسوبي لنص القرآن الكريم بالرسم العثماني برواية حفص تمهيداً لإتاحته لعامة المستفيدين للإفادة منه، وإنتاج تسجيلات صوتية مرتلة بأصوات عدد من المشايخ بروايات مختلفة، وإتاحتها لعامة الناس بصيغةmp3. وتشمل الخدمات نظام الأرشفة الإلكترونية وإدارة الوثائق، والتدقيق الآلي لنص القرآن الكريم، ومصحف المدينة لأجهزة الجوال، بالإضافة إلى برنامج خاص للقرآن بالتوجيه الصوتي يستهدف فئة ذوي الاحتياجات الخاصة حقق من خلاله انتشاراً واسعاً في مختلف العالم. وعمل المجمع على تطوير عدد من البرمجيات والأدوات الحاسوبية التي يستفاد منها داخل المجمع في أعمال التدقيق الإلكتروني، واستخلاص الخطوط الحاسوبية المطابقة للمصحف المطبوع آلياً بالإضافة لمجموعة من الخطوط الحاسوبية التي تهدف إلى المساعدة في دعم المكتبة العربية الإلكترونية بمجموعة من الخطوط الحاسوبية التي تخدم نَص المصحف الشريف بمختلف الروايات، وكذلك دعم الخطوط الحاسوبية العربية التي تخدم أعمال كتابة البحوث والرسائل العلمية وأعمال طباعة الكتب وغيرها، بما يتَوافَق مع الاحتياجات الخاصة بالنص العربي. وصمّم المجمع نظام مولد الخطوط ليكون نموذجًا رائدًا في توليد خط المصحف الشريف المستنسخ بخط اليد وإنتاج (True Type Font) من خلال مجموعة من المراحل التي يمر بها الخط حتى يصل إلى المنتج النهائي وهو خط (ترو تايب فونت) لجميع المصاحف، وذلك بعد أن يتمَّ تعريفها للنظام أولاً؛ ليقوم النظام بتوليد (True Type Font) لها. وصمم المجمع موقعا على الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) بحيث يتضمن ست لغات إضافة إلى اللغة العربية هي: الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، الأوردية، الإندونيسية، والهوسا تشرف عليها لجان مختصة للنهوض بالأعمال العلمية والفنية المتصلة بتشغيل الموقع www.qurancomplex.org، ولهذه التقنيات الأثر الكبير في تطوير كتابة ونشر القرآن الكريم من خلال سهولة الوصول إلى المصحف ونشره تقنيًا بشكل واسع وسريع الذي اختصر بمراحل النشر والطباعة والتجليد للكتاب الورقي. وأوضح الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الدكتور محمد سالم العوفي أن المجمع يجد اهتمامًا كبيرًا من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – . وقال : إن الخطوط والتقنيات والبرامج الحاسوبية المتعلقة بطباعة المصحف الشريف تتابع بعناية من خلال تطوير مجموعة من الخطوط التي تخدم نص القرآن الكريم بالرسم العثماني الموافق لمصحف المدينةالمنورة بمختلف الروايات تتوافق مع النظام المعياري Unicode، وتطوير عدد من البرمجيات والأدوات الحاسوبية التي يستفاد منها داخل المجمع في أعمال التدقيق الإلكتروني، واستخلاص الخطوط الحاسوبية المطابقة للمصحف المطبوع آلياً. وأضاف الدكتور محمد العوفي أن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف يعمل على طباعة نسخة محسّنة من المصحف الشريف تتضمن العديد من المميّزات والتحسينات بطاقة تشغيلية ذاتية من قبل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ومن مميزات هذه النسخة أنها تضم مشروع المعالجة الرقمية، وتنفيذ التحسينات الجمالية المقترحة على خطّ مصحف المدينةالمنورة برواية حفص، الذي يعد أحد المشاريع الرائدة في المجمع. ويهدف المشروع إلى معالجة خط مصحف المدينةالمنورة الذي طبع عام 1422ه من أجل إنتاج أجود أنواع الخطوط المعدة وفق معالجة وتحسين منحنيات الأجزاء الدقيقة للرسم العثماني المستخدم في الخط المكتوب باليد من خلال برامج حاسوبية متقدمة معدة لهذا الغرض. وتستغرق كتابة المصحف الشريف ما يقرب من عامين إلى العام ونصف، بحسب ما ذكر خطاط المصحف الشريف بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الدكتور عثمان طه، مبينًا أن كل نسخة يتم مراجعتها وتدقيقها من قبل لجنة متخصصة تحت إشراف لجنة علمية مؤلفة من كبار العلماء المتخصصين في علم القراءات والرسم والضبط و علوم التجويد، والتفسير، والفقه، واللغة، والنحو والصرف. وحول أشهر أنواع الخط العربي قال الدكتور عثمان طه: أشهرها «الخط الكوفي» الذي يُعد من أجمل أنواع الخطوط شكلاً، وأفضلها من حيث التنسيق والتنظيم لتشابه رسم الحروف فيه، و»خط النسخ» وتعود سبب تسمية بذلك لكثرة كتابة ونسخ الكتب فيه، و»الخط المصحفي» ويجمع شكله بين «خط الثلث»، و»خط النسخ»، وسمّي بهذا الاسم لكتابة المصاحف فيه، كما يوجد «الخط الديواني» وهو الخط الذي كان يكتب به موظفو الدواوين، و»الخط الأندلسي» وهو أحد الخطوط التي انبثقت عن الخط الكوفي، وكان يُطلق عليه اسم الخط القيرواني نسبةً إلى مدينة القيروان في المغرب العربي. وأضاف أنه يشتهر أيضًا في الخطوط العربية «خط الرقعة» وهو من أسهل أنواع الخطوط وأسرعها وأكثرها انتشاراً، وكذلك «الخط الفارسي» الذي تبدو حروفه بالشكل المائل ونقاطه مائلة أيضاً، و»خط الثلث» وهو من أشهر أنواع الخطوط المتأصلة من الخط النسخي ، وسمي بهذا الاسم لأنه يكتب بقلم يُقَطّ محرَّفًا بسُمْك ثلث قطر القلم.