جاء معرض الكتاب الدولي في الرياض الذي انتهت فعالياته بالأمس بعد مرور عام كامل على أهم تحولات حدثت في العالم العربي في تجربته المعاصرة. تبدو الفترة قصيرة لتشكل الرؤى والأفكار والتصورات، لكنها خطوة أولية لتفاعل دور النشر العربية والمؤلفين في بحوث وكتب ثقافية وسياسية. بعد مرحلة تغطية الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب. هو عام الصدمة لتحفيز الوعي وإثارة الإشكاليات والتساؤلات الفكرية وإعادة النظر في المقولات والأراء القديمة للتفكير من جديد في واقعنا العربي. ربما سادت بعض العبارات الحماسية والترحيبية أكثر في عناوين ومضمون الكتب الجديدة ، ليس لأن الأوضاع العربية جيدة عند كثير من الكتاب بقدر ما أن الحراك الشعبي أحيا مرة أخرى الآمال بحيوية مجتمعاتهم ، فقد حدث اللامتوقع والأقرب للمستحيل في ذهنية النخب الفكرية. في هذا المعرض ظهر إنتاج متنوع عن الربيع العربي، حيث حرص الكثيرون على التواجد ببعض العناوين مع حرص أيضا دور النشر. بعضها حشرت «الربيع العربي» بالغلاف بتكلف لمواد بعضها كتبت قبل هذه التحولات، يبدو أنها اضطرت تجاريا لمواكبة الحدث والتجاوب مع تساؤلات الزوار. الكتب الأبرز هي التي جاءت وفق طابع صحفي في تدوين اليوميات وانطباعات اللحظة من داخل ميادين الثورة أو المشاركات الإعلامية، وقد وجدت بعض الكتب الطريفة فأحدهم سجل يومياته لأنه يعيش في شقة مطلة على ميدان التحرير، وآخر سجل تطورات الثورة المصرية عبر رسم كاريكاتوري في كتاب. شهد هذا العام استمرار الحضور القوي لبعض دور النشر السعودية في الخارج ففي زمن قصير استطاعت كسب ثقة القارئ السعودي، وفازت دار جداول بجائزة الشيخ زايد- فرع الترجمة. وفي هذا العام استمر تراجع إقبال السعوديين على الرواية بصورة كبيرة مقارنة بربيعها الكبير قبل سنوات لصالح الكتب الفكرية والثقافية والتاريخية وقد أشار لذلك مبكرا الكاتب سعد المحارب، ومن أجل محافظة الناشر السعودي على مصداقيته والنجاح الذي تحقق عليه ألا يتورط مستقبلا بطباعة كتب رديئة بسبب المجاملة والصداقات. يعيش العالم العربي مرحلة جديدة مع حالة ترقب وقلق وآمال من نوع مختلف لم يألفها في تجربته الحديثة، كسرت حدة الرتابة والسكون في الأفكار والمقولات والكتابات المكررة. فلأول مرة يبدو الأرشيف لا يخدمنا في فهم ما حدث. التحليلات والأراء والمعلومات السابقة تبدو باهتة الآن..وعاجزة عن تفسير ما شاهده العالم. وأصبحت الإحصاءات السابقة بحاجة إلى قراءات أخرى مع قدر أكبر من الحدس والخبرة والخيال السياسي والواقعية. تبدو إشكالية الكتابة في مثل هذه المرحلة المتغيرة: كيف يمكن التعامل مع هذه الأزمة، حيث التداخل في الأحداث والتعقيد المستمر في الواقع؟! فهذه ليست حربا تنتهي بالنصر أو الهزيمة في زمن محدد، وليست كارثة بيئية.. إنها مجموعة أحداث معقدة وتطورات متصلة زمنيا، ولهذا تفقد الكثير من الأراء قيمتها أو معقوليتها بعد كل تطور يحدث. وإذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت أظهرت أجيالا فاعلة ومؤثرة من المثقفين الشباب والناشطين في توجيه الرأي العام في كل لحظة، فإن المثقف والمفكر التقليدي لايزال يحافظ على أهميته في صناعة الوعي في المراحل التالية، التي تبدو أخطر وأعمق في التأثير على النخب وغيرهم، لهذا من المتوقع أن تظهر مستقبلا مشروعات فكرية أكبر وأكثر شمولا، لتنافس على صناعة الوعي العربي الجديد. في المجال السياسي قدم مركز دراسات الوحدة العربي هذا العام تغطية مهمة لمجموعة واسعة من أبرز الكتاب العرب في بحوث ومؤتمرات ناقشت هذه التطورات لتجيب على أسئلة الثورة وآفاق التغيير الديمقراطي. كان من أبرزها كتاب «الشرق الأوسط المتغير: نظرة جديدة إلى الديناميكيات العربية» لمجموعة مؤلفين في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وميزته أنه من إصدرات الجامعة في عام 2010م أي قبل الثورة قام بتحريره بهجت قرني. أشار إلى ظاهرة كتابية سائدة في العالم العربي فيقول «يبدو أن النظرة والتحاليل السائدين فيما يتعلق بالشرق الأوسط يتجاهلان هذه الحركية ويصران على أن هذه المنطقة لا تتغير، هذا على الرغم من أنها واحدة من أكثر المناطق التي تخترقها وتتغلغل فيها المصالح الدولية فهل تصدق المقولة الشائعة حول «استثنائية العالم العربي»؟! ويفسر بعض المحللين هذا التشديد المبالغ فيه على جانب الاستمرارية مصحوبا بإهمال جوانب التغيير بأنه دليل على ميل محافظ موروث في عملية التحليل الاجتماعي وأن هذا «الانحياز إلى صالح الرؤية الاستمرارية هو دليل على كسل فكري ذلك أن تحليل الواقع القائم هذا أسهل بكثير من تحليل مقابلة التغير والتحول» تكمن أهمية هذه الرؤية في أنها طرحت قبل أحداث الربيع العربي، لتفسر نوعية الخطأ الذي وقع به الجميع في عدم توقع ما حدث أو وضعه كأحد الاحتمالات. وفي كتاب «الربيع العربي إلى أين؟ «من المركز نفسه لمجموعة من المؤلفين يسجل التونسي الطاهر لبيب في مقدمة لافتة ويشير إلى إحباط تجربة وشعور اليساري العربي الذي «استفز الممكن»، «مركسه»، «بتلره»، «قومجه»، وطنه، عولمه، ناضل، ضحى، مات من أجله، ولم يتحرك هذا الممكن الحرون! اليوم يثورهذا الممكن في لحظة لم ننتظره فيها، بعد أن تراجع المد الثوري، ومعه مرجعياته الكبرى... وبعد أن جلدنا الذات لا شفقة. اليوم نعلم أن الممكن كان كامنا في الواقع، ولم نره. اليوم نعلم أن من سميناههم، بحرفية عالية «فاعلين» ليسوا هم من فعلوا هذا الممكن. من فعلوه «ناس عاديون» كانوا، في بحثونا كائنات هلامية نملأ بها جداول إحصائاتنا. عودوا إلى بحوثنا لتروا كم هي رديئة فيها صورة الشباب العربي...».