تأتي الجولة الآسيوية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في إطار تعزيز الشراكات المتنوعة مع مختلف البلدان الآسيوية ذات الثقل والتأثير السياسي والاقتصادي في العالم. هذه الجولة تأتي في وقت يشهد فيه العالم العربي والإسلامي فترة عصيبة وحروباً ودماراً طال عديداً من البلدان العربية والإسلامية، وأدى إلى استهداف الإسلام كدين وعقيدة وتشويه صورته في العالم، حيث دولنا بحاجة إلى توحيد الكلمة ولم شمل الأمة وتعزيز ريادتها وقواها لردع ما لحق بها من حيف وتشويه. ومن المتوقع أن تفتح هذه الجولة آفاقاً أرحب للتعاون والشراكة الاقتصادية ليس على مستوى الثنائيات وإنما على مستوى الاقتصاد العالمي لما تتمتع به المملكة من ثقل اقتصادي كبير ضمن الدول العشرين الأقوى اقتصاداً في العالم، وهو ما يجعل السعودية تحظى بتقدير عالٍ ومتميز وقبول لدى عديد من الدول التي تسعى إلى تعزيز شراكاتها معها بغية دعم التنمية المشتركة بينها. زيارات الملك التي تشمل كلاً من ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي دار السلام، واليابان، والصين، والمالديف، ثم الأردن، تأتي في إطار إرادة سعودية نحو تقوية العلاقة بمختلف أشكالها مع الدول الشقيقة والصديقة في العالم في مختلف مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي وتقريب وجهات النظر نحو بعض القضايا. ولو أخذنا على سبيل المثال بعض المحطات الآسيوية التي شملتها الزيارة الملكية الأخيرة ومنها ماليزيا، فسنجد أنها زيارة نوعية لبلد نحتاج إلى الاستفادة من تجربته الثرية حيث تتمتع ماليزيا بعديد من المزايا التي يمكن للمملكة الاستفادة منها وتعزيز شراكاتها واتفاقياتها معها؛ فماليزيا إحدى الدول الصناعية التي اهتمت بتطوير قطاعها الصناعي حيث نجحت فيه وساهم هذا في تحسين الأوضاع المعيشية لمواطنيها في السنوات الماضية، وهو ما انعكس في تخفيف نسب البطالة لدى المجتمع الماليزي وتدني مستويات التضخم والانتقال من حالة الفقر والعوز التي كان يعيشها غالبية سكانها إلى دولة متقدمة صناعياً وذات نمو متزايد، كما أنها أصبحت اليوم من أهم البلدان في مجال التمويل الإسلامي إضافةً إلى أنها سوق واعدة لإصدار الصكوك الإسلامية وتنمية الاستثمار فيه، حيث تحتضن السعودية الأصول الأضخم في مجال التمويل الإسلامي، والمملكة في ذات الوقت تشهد نمواً في قطاعات الصكوك الإسلامية والتأمين التعاوني والتمويل العقاري والأعمال المصرفية على وجه العموم، إضافةً إلى تنوع الفرص المشتركة التي يمكن تنميتها وتعزيزها بين البلدين الشقيقين والاستثمار في مجالات متعددة بعضها قائم أساساً ويتطور مع مرور الوقت، وتسعى المملكة لتعزيز شراكاتها مع دولة مثل ماليزيا نظراً لما تربطنا بها من روابط عميقة وقواسم مشتركة وتطابق في وجهات النظر حيال عديد من القضايا والملفات. وفي إندونيسيا حيث تعتبر أكبر دول العالم الإسلامي في عدد السكان، وتربطنا بها روابط الدين والعاطفة؛ فالشعب الإندونيسي محب للمملكة وشعبها، ولعل ردود الأفعال التي ظهرت من المواطنين تجاه زيارة الملك الأخيرة لإندونيسيا تظهر بجلاء مستوى العاطفة والمحبة لبلاد الحرمين الشريفين. إن إندونيسيا اليوم تعد ضمن أكبر 20 اقتصاداً في العالم وتمتلك ثروة بشرية هائلة وطبيعة وموارد عديدة وضخمة وبها فرص متنوعة في مجالات الصناعة والزراعة، حيث يمكن للمملكة الاستفادة منها لاسيما في ظل رغبة واضحة من الحكومة والشعب لتنويع مصادر الدخل وتعزيز الشراكات نحو آفاق أوسع. أما الصين التي تعد إحدى المحطات الرئيسة في الجولة الملكية فتأتي لفتح آفاق جديدة مع دولة عملاقة اقتصادياً وتحتاج لشريك اقتصادي رئيس وإقليمي في المنطقة في ظل توجهها نحو منطقتنا، إذ من الواضح أنها لم تحسم خياراتها فيما يتعلق ببحثها عن أفضل الشركاء، حيث يمكن للسعودية الاستفادة من ذلك بأن تكون خياراً استراتيجياً لها لاسيما في ظل امتلاكها مورداً مهماً تحتاجه الصين وهو النفط. وفي اليابان حيث الدولة التي تعد أحد عمالقة الاقتصاد العالمي لاسيما في مجال الصناعات التقنية المتقدمة تبرز الفرصة للمملكة العربية السعودية للاستفادة من تلك الزيارة في جلب الاستثمارات اليابانية للسوق السعودية لاسيما إذا أدركنا أنها تعاني ارتفاعاً في تكلفة التصنيع في اليابان وارتفاع أجور الأيدي العاملة وهو ما أدى بدوره لإضعاف تنافسية بعض ما تنتجه، حيث من الممكن أن تقدم السعودية لها فرصة التصنيع على أراضيها وتقديم التسهيلات اللازمة وبالتالي إيجاد أسواق محلية منافسة لمنتجاتها وهو ما سيعود على الاقتصاد المحلي السعودي بالنمو ويحقق تنوعاً جديداً في مصادر الدخل، وبالتالي تكون المملكة شريكاً استراتيجياً وإقليمياً لها في المنطقة. لا تتوقف هذه الزيارات الملكية عند الجوانب السياسية والاقتصادية فحسب رغم أهميتها، بل تتعداها بهدف إيجاد سبل وأرضية مشتركة لعديد من القضايا والملفات الساخنة والملتهبة في المنطقة بهدف الوصول إلى رؤية مشتركة لتجنيب المنطقة مزيد من ويلات الدمار والخراب التي لحقت بها في الفترة الماضية، والتركيز على رفع مستوى التعاون والتنسيق لما يخدم المصالح ويحقق المكاسب المشتركة.