إن وجودك في مكان لك فيه نفوذ وسُلطة، ربما لا يدوم طويلاً. ألا تحب أن تنتقل إلى موقع آخر وقد تركت في موقع قدمك أثراً طيباً؟ ضع في اعتبارك أنك ستغادر إلى مكان آخر، أو إلى حفرة في باطن الأرض، لذا عليك سؤال نفسك ماذا خلفت تحت قدمك؟ سنابل خير يدوم عطاؤها بالذكر الحسن، أم أشواك شر يدوم وخزها بالذكر السيئ؟ إن اختلاف المواقع تحتك يختلف باختلاف أخلاقك وشخصيتك، قد تكون المصقلة بمعدنك الجيد ونياتك الصادقة ونظرتك الثاقبة للحياة بمنظارك النزيه الصافي النقي من عتمة الغرور وجبروت التسلط. أو ربما اختلف باختلاف نيات مبيتة دفينة على خبث في شخصية مريضة تحوم حولها شياطين الإنس والجن في صور شتى تؤز أزاً على ركب مطية الشر. ألا يحب الإنسان أن يحاط بمجموعة ممن يحبونه ويحترمونه ويكنون له أجمل معاني الود في أروع صور الخير في حضوره وغيابه. يجب أن ننزع من نفوسنا الخوف من الظلم والهيبة من لجج بحور ظلماته، والفزع من الخوض في أعماق حممه الحارقة القاذفة إلى ظلمات يوم القيامة. فأنا أخاف بل أشفق من دعوة المظلوم وأحس أنها ستحل قريباً من دار الظالم. وأشعر بحفيفها فوق رأسه وأسمع أزيزها خلف ظهره. إن التعامل الحسن المرن مع الغير لن يكلف صاحبه كثيراً من الجهد، بل هو نفس الجهد الذي يبذل في التعامل غير الأخلاقي المحاط بحواجز شائكة لا يمكن الدنو منها بسهولة، إن الخلق الكيس اللبق الذي حث عليه ديننا للتعامل الحسن مع غيرنا ومع من هم دوننا أو تحت سلطتنا هو أعظم درجات اللياقة التعاملية في فنها النادر، ومفتاح للسعادة والراحة النفسية وأداء راقٍ لأمانة الضمير، وباب مشرع للدخول إلى ساحات القلوب والتنعم بأروقتها الدافئة، وطرائق تؤدي إلى رحائب محبة الله في حب الناس «ولو كُنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك».