عندما يأتيك الوجع من مكنون ذاتك، فحتماً سيكون هو الأشدّ إيلاماً مِن أيّ ألَمٍ، لأنّك مهما حاولتَ تجاهلَه فلنْ تستطيع، كذلكَ عندما تفني زهرة عمرك لتؤدي أنبل رسالة بعد رسالة الأنبياء، ثمّ تُفاجأ بمَنْ كان تلميذك بالأمس يقف اليوم بكلّ صلفٍ أمام وسائل الإعلام ليصفك بعدم الأهلية، بعد بذلٍ وعطاءٍ بحجم عمرك. إنّ ما قاله وزير التعليم عنْ عدم كفاءة المعلم السّعودي لمْ يتفوَّه به أيّ إنسان يمتلك الحدّ الأدنى من الاحترام لمنْ علّمه أبجديات الحرف وقواعدَ الحساب، قدْ تشعر للوهلة الأولى بالدّوار، وستعقدُ الصّدمة لسانك فتضيع منك مفاتيح الكلام، وستعود بك ذاكرتك إلى تلك الأوقات التي أوصدت فيها بابك دون همومك، وتوجهت إلى مدرستك، عين ترقب وطنك وعين على تلامذتك الذين ستكمل معهم رسم الطريق الذي بدأته لأجلهم وسيحملهم إلى مستقبل واعد رجوته لهم، وستردد في حسرة: وظلم ذوي القرابة أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند. ما أقبحه من ذنب، وما أشنعه من عقوق ذاك الّذي يجحد فضل المعلم، كيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول «إنَّ الله وملائكته وأهل السَّموات والأرض حتَّى النَّملة في جحرها وحتَّى الحوت ليصلُّون على مُعلِّم النَّاس الخير». إنّه في الوقت الذي تتنافس فيه المجتمعات المتقدمة في تكريم معلميها، وتتسابق في ابتكار أجمل أيقونة للمعلم تضيء بها واجهاتها الحضارية، وتضع له النصب التذكارية في أرقى مدنها، في هذا الوقت يتلقى المعلم السعودي رسالة من وزيره عنوانها «مدارسنا تفتقر للمعلمين الحقيقيين». وأتساءل عمّا يحتمله هذا القول، هل هو برهان على الفشل الذريع لوزارة التعليم في تحقيق الجودة في مخرجاتها؟ أمْ إنّ تعليمنا قد أخذ وضعية الانحدار الحتمي؟ أمّ إنّ الأمر قد أسند لغير أهله؟ قال العرب «من علمني حرفاً صرت له عبداً» فهل هؤلاء هُم أحفادُ أولئك؟.