أثار المأذون الشرعي الدكتور أحمد المعبي، الحديث حول الميراث في الدين الإسلامي، من خلال بحث علمي قام به، مخالفاً القاعدة الإسلامية الثابتة لدى، وهي أن نصيب الرجل ضعف نصيب الأنثى، مفجراً جدلاً واسعاً، حين أكد بالأدلة أن المرأة هي الأصل في الميراث، وبالتالي تتفوق على الرجل في الميراث.. “الشرق” طرحت رأي المعبي حول هذه القضية، ونقلت الرأي أيضاً إلى عدد من أهل العلم الذين ردوا عليه وعلى استنتاجه الذي وصل إليه، بالعديد من الأدلة والبراهين في ثنايا الأسطر التالية: باب طعن أحمد المعبي يقول المعبي “ازداد الحديث في الآونة الأخيرة عن قضايا المرأة وما يتعلق بها من أحكام، خاصة فيما يتعلق بميراثها وتصنيفه في الشريعة الإسلامية، وقد تمّ طرح تلك القضية من باب الطعن في موقف الإسلام من المرأة وهضمه لحقوقها، وإهانته لإنسانيتها وكرامتها، وتلك تهمة نسمعها بين الحين والآخر من أناس لا يفقهون الإسلام، ولا علم لهم به، إلا أنهم خطفوا معلومة من هنا، وأخرى من هناك عن الإسلام، وقد ظنوا أنهم أحاطوا به علماً، لا يحفظون من القرآن إلا جملة من آية، لم يفقهوا معناها، ولم يعلموا بقيتها، مذهبهم في الكلام عن الإسلام (ولا تقربوا الصلاة)”. قضية الميراث وأضاف المعبي “لو أن هؤلاء تفقهوا في قضية ميراث المرأة لعلموا كيف كانوا جهلاء به، حمقى في فهمه، أغبياء في الحديث عنه، عمياناً في رؤيتهم له، يستشهدون بقوله تعالى (للذكر مثل حظ الأنثيين) وكأن ميراث المرأة وقف عند هذه الجملة فقط، وما علموا أن الله تبارك وتعالى جعل المرأة هي الأصل في الميراث، وجعلها هي المقياس؛ فقال تعالى{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، ولم يقل الله جل جلاله (للأنثى نصف حظ الذكر)، وهذا يدل على أن الإسلام نظر اقتصادياً إلى هذه المسألة في أضعف قواعدها وهي المرأة، ثم جعل نصيب الضعيف هو القاعدة، وبعد ذلك جاء للأقوى فحمل قضية الأقوى على قضية الأضعف؛ فكأن حظ الأنثى هو المعتبر أساساً في القياس، وهو المعتبر قاعدة للمكيال”. ظلم المرأة ورفض المعبي أن يتعدّى في توضيح هذه المسألة المفهومة جهلاً وخطأ وحقداً من البعض -على حد تعبيره- وقال “لن أتعدى الاستشهاد بآيتين فيها العبارة التي يفهمون منها أن الإسلام ظلم المرأة في الميراث، وهما آيتان في سورة النساء، رقم (11) و(12)، ومن هنا أحب أن أنبه أن ميراث المرأة ليس له حالة واحدة في الإسلام، بل له عدة حالات، فحالة يأخذ الرجل ضعف المرأة، وحالات أخرى ترث فيها المرأة ضعف الرجل، وحالات ترث المرأة فيها مساوية بالرجل، وحالات ترث المرأة ولا يرث الرجل، وهكذا” ودلّل المعبيّ على ما ذهب إليه قائلاً “خذ أمثلة على ذلك، امرأة ماتت وتركت زوجاً وأبوين وبنتين، يكون توزيع التركة كالتالي: الزوج (وهو رجل) الرّبع، والأب السدس (وهو رجل) والأم السدس، وللبنتين الثلثان، أي أن نصيب كل بنت من البنتين أكثر من نصيب الأب وهو رجل، وأكبر من نصيب الجد وهو رجل، ولو كانت البنتان هنا بنتاً واحدة، لأخذت النصف، ولأخذت بالطبع ضعف الأب وهو رجل، وأكثر من الجدّ وهو رجل”. حالات تساوٍ وبيّن المعبي الحالات التي ترث فيها المرأة مثل الرجل بالقول “هناك حالات تتساوى فيها المرأة مع الرجل في الميراث، والعجيب في الأمر، وهو ما يدل على جهل من يهاجمون الإسلام في اتهامه بظلم المرأة في الميراث، أن هذه الحالة التي تتساوى فيها المرأة بالرجل في الميراث في الآية نفسها التي يستشهدون بها، يقول تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) [النساء: 11]، فهذه حالة من الحالات التي تتساوى فيها المرأة بالرجل، وهي إذا ما مات إنسان وترك أباً وأماً، فالأب والأم هنا يتساويان تماماً في التركة، وهما رجل وامرأة في نفس درجة القرابة للميت”. حالة ثانية ويوضح المعبّي الحالة الثانية التي تتساوى فيها المرأة بالرجل في الميراث قائلاً “إذا ما مات إنسان ولم يكن له أبناء، ولا أب أو أم، وترك أخاً وأختاً، أو إخوة وأخوات لأم، فعندئذ يتساوى الإخوة والأخوات رجالاً ونساءً في الإرث، يقول الله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) [النساء: 12]“. ويضيف “وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل وهما متساويان في درجة القرابة للميت، وهي في حالات وجود جدة لأب مع جد لأم مع وجود وارثين آخرين، ترث الجدة لأب وهي امرأة، ولا يرث الجد لأم وهو رجل، هذه حالات للشرح والتقريب فقط، ولو أسهبت في التوضيح لاحتجت إلى كتاب كامل”. موضوع نقاش سعد السهيمي ويرد على حديث المعبي إمام جامع الأمير سلطان بن عبدالعزيز (رحمه الله)، سعد السهيمي، بالقول “الحقيقة أن موضوع الإرث بالنسبة للمرأة هو موضوع جدير بالنقاش، خصوصاً لدى من يعتقد أنها مهضومة الحقوق في الإسلام، وهو قول غير صحيح، وإذا تمعنا في حقوق المرأة في الإرث فلابد أن يكون الأصل في الإرث هو أساس الحكم في هذا الجانب، بمصداق قوله تعالى (للذكر مثل حظ الأنثيين)، فهنا أخبر الله عز وجل أن للذكر مثل حظ الأنثى مرتين، وجعله هو الأصل في التشريع، وجعل إرث الذكر محمولاً عليه يعرف بالإضافة إليه، ولولا ذلك لقال: للأنثى نصف حظ الذكر، وهنا لا يفيد هذا المعنى ولا يلتئم السياق معه، هذا ما ذكره بعض العلماء، وإذا تركبت الورثة من الذكور والإناث، كان لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم إلى أي مبلغ بلغ عددهم، بمعنى أنه لو اجتمع الأولاد من ذكور وإناث بعدما مات أبوهم، هنا يكون للذكر نصيبان، ويكون للأنثى نصيب واحد”. نصيب البنت والولد وذهب السهيمي في مخالفته لقول المعبي بضرب مثال، وقال “لو أن شخصاً هلك وترك ذكرين وبنتاً، وخلَّف عشرين ألف ريال، ما نصيب البنت وما نصيب الأولاد؟ نأخذ المبلغ ونقسمه على رؤوس هؤلاء الأولاد، فإن كان فيهم ذكور، فالذكر نجعله اثنين، والبنت نجعلها واحدة، هلك شخص عن ولدين، وأنا أقول ولدين من باب مصطلح الناس، وإلا فالولد في اللغة يطلق على الذكر والأنثى، فلو خلَّف ذكرين من الأولاد وبنتاً، نأخذ عشرين ألف ريال ونقسمها على كم؟ خمسة، الناتج أربعة آلاف ريال، هذا نصيب البنت، ونصيب الولدين كل واحد ثمانية آلاف ريال، فالمجموع 16 ألف ريال، هذا إذا اجتمع الذكور والإناث {فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}، إذاً لو ترك الأب ابنتين ولم يترك ذكورا، هنا كم يكون للبنتين؟ ثلثا التركة، فلو ترك أربع بنات كم لهنّ؟ الثلثان، لو ترك عشر بنات لهنّ الثلثان، وهكذا، إذاً من اثنتين فأكثر الثلثان. وزاد السهيمي في ضرب مثال جديد قائلاً “لو أن شخصاً خلَّف ابنتين، وليس هناك ذكر، وكانت التركة -مثلاً- 15 ألف ريال، كم يكون للبنتين؟ عشرة آلاف، المتبقي لأقرب عصبة، قد يكون هناك عصبة أب، وقد يكون هناك عصبة أخ {فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}، لكن إن كانت واحدة؟ قال تعالى {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}؛ يعني إن ترك الأب بنتاً واحدة لها النصف، ترك ابنتين فلهما الثلثان، فلو أن شخصاً هلك عن بنت وعن أب، وكانت التركة عشرة آلاف ريال، كم يكون للبنت؟ خمسة آلاف، والمتبقي للأب. الأصل في الإرث ويضيف السهيمي بالقول “هناك حالات يتساوى فيها المرأة والرجل في الإرث، وحالات أخرى تفوق المرأة الرجل في الإرث، ويكون ذلك بحكم قربها من المتوفى، وعموماً نحن نركز على الأصل في الإرث، وهو ما ذكر في سورة النساء (للذكر مثل حظ الأنثيين)، وأما الحالات الباقية فهي تكون بحسب قرب المرأة من الميت ارتفاعاً وانخفاضاً. وفي الختام نسأل الله أن يقي نسائنا شر أعداء الدين، لأن الإسلام رفعهنّ وجعلهنّ سيدات في منازلهنّ يتحكمن في كل شيء، إلا ما ندر من حالات تخالف ذلك”. لا للاجتهاد محمد بن عبدالله الخرعان ويفض النزاع الأستاذ المشارك في قسم الإعلام بجامعة الإمام الدكتور محمد بن عبدالله الخرعان، بالقول “بادئ ذي بدء، أود الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى ليس في حالة خصومة مع خلقه، فقد خلقهم ليكرمهم تفضلاً منه سبحانه (ولقد كرمنا بني آدم)، وهو سبحانه عدل أقام السموات والأرض ومن فيهنّ على العدل”. ويضيف “ثم إن الإسلام هو دين الله وشرعه، وليس هو رأي العالم الفلاني أو المجمع الفقهي الفلاني، ولا اجتهاد تلك الفئة أو تلك، وبالتالي فتصور أن يكون في دين الله حيف لصالح الرجل ضد المرأة، أو العكس، تصور مثل ذلك غير ممكن شرعاً وعقلاً، فشرع الله قائم على القسط والعدل والحكمة، وعدل الله وحكمته تقتضي استحالة مثل ذلك التصور”. وأضاف الخرعان “ما ذكره المأذون الشرعي أحمد المعبي، من تحليل علمي بشأن نصيب المرأة، وأنها الأصل في الميراث، وتفوقها على الرجل في ذلك، هو كلام مقرون بالأدلة من كلام الله عز وجل، ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وحينما يثبت الدليل فلا مجال حينئذ للرأي، فقد تحدث الله سبحانه بصريح القرآن عن ذلك، في آياتٍ عدة، وكتب أهل العلم في مسائل الفرائض متاحة لمن أراد الاطلاع والاستزادة”. النفقة والمواريث وذهب الخرعان إلى الإشارة لقضية مرتبطة بموضوع المواريث، وهي النفقة، وقال “النفقة من واجب الرجل، حتى لو كانت المرأة ذات مال وثراء، فإن نفقتها تلزم وليها، فالبنت أو الزوجة أو الأم أو الأخت، مسؤولية نفقاتهنّ على رجالهنّ، ولذا لا يجوز أن يدفع الرجل زكاته لزوجته أو بنته أو أمه، حتى لا تكون تهرباً من دفع النفقة، لكن المرأة يجوز أن تدفع زكاتها للرجل، لأنها ليست مطالبة في الأصل بنفقته، فلا شبهة حينئذ في التحايل على الواجب الذي يلزمها، وبالتالي فنصيب المرأة في الميراث ولو كان قليلاً، أو نصف نصيب الرجل، فإنه مال خاص لا تزاحمه النفقة، بخلاف مال الرجل، الذي تلزمه نفقة من تحت يده من الأبناء والبنات والزوجات، كما تلزمه نفقته أبيه وأمه في حال حاجتهما”.